الأربعاء، 13 فبراير 2008

كشكول شهر رمضان 4

كتب يوم الأحد,تشرين الأول 01, 2006

حكاية شهرزاد وحكاية المسلسلات العربية الرمضانية

كانت شهرزاد، كما هو معروف، تحيى بقوة الكلام. ولو تعطلت آلة الكلام لديها في ليلة واحدة من لياليها الألفية لبرز إليها شهريار بالسيف، وطعنها في مواضع الحتف، ولتوقف مسلسل حكاياتها دون أن يوقف له على نهاية.
وهل هناك طعم لحكاية خيالية مروية، مصورة أو مشخصة للمسرح أو التلفزيون أو السينما دون نهاية… !!

في حكايات ألف ليلة وليلة صراع قوي بين جاذبية الكلام وجاذبية الاستماع، حيث يتحول شغف الاستماع عند شهريار إلى ما يشبه الشهوة الجامحة، وقوة الكلام عند شهرزاد إلى وسيلة حياة ودفاع؛

فكان شهريار يحرص على إبقاء شهرزاد رهينة حبس مؤجل في قصره الفخم مترقبا في كل ليلة عودة الحكاية، ومتشوقا إلى نهاية سرعان ما تتحول إلى بداية.

وكانت شهرزاد تحرص أيضا على إبقاء شهريار أسير حكاياتها المتسلسلة المتشابكة. ليتلهى بها عن لعبة الانتقام والقتل. فكلاهما كان يتطلب الآخر، بوسائل الكلام والاستماع، وكلاهما سجان ومسجون، وآسر ومأسور.

يذكرني وضع شهريار في مسلسل حكاياته مع شهرزاد الطويل الممتع بوضع المشاهد العربي في شهر رمضان مع المسلسلات العربية، وهو نفس الوضع الذي يعيشه، على مدار الساعة، مع نشرات الأخبار العربية، كما أوضحت في إدراج سابق.

وقد يعترض البعض على هذه المقارنة الغريبة. فأية علاقة بين وضع شهريار الملك المبجل المهيب صاحب الصولة والصولجان، وبين وضع هذا المواطن المغلوب على أمره الذي عركته الحياة وطحنته وعجنته، وقلبته رأسا على عقب، حتى صار يرى الناس والعالم من حوله بالمقلوب؟؟!!.

في شهر رمضان، من هذه السنة، وقد صادف مستهل الخريف بكل شحوبه وكآبته، لم أجد في نفسي حاجة كبيرة لمتابعة أي مسلسل عربي، على أية قناة فضائية أو أرضية.

وليس لدي مبرر واحد كاف لأقنع به نفسي أو غيري، أو لأشرح به عزوفي عن المسلسلات العربية وابتعادي عن الشاشة الفضية في معظم الوقت؛

ربما يرجع السبب لحالات الملل والسأم التي تعتريني عند السفر والتنقل عبر المحطات الفضائية التي تتناسل في كل يوم كالفطر أو كفئران التجارب.

وقد أصبح مجرد استعراض قنواتها يتطلب وقتا أكبر من الوقت الذي يمكن أن تخصصة لبرنامج جدير بالمشاهدة والمتابعة، فيضيع معظم الوقت بين التبديل والتقليب صعودا ونزولا في القوائم الرئيسية والمفضلة.

ومع أن السفر من محطة فضائية إلى أخرى لا يتجاوز الثانية الواحدة في حساب الوقت، غير أنه متعب للجسم، ولو كنت مستلقيا على فراش وثير، وأعراض ذلك التعب يظهر أثرها بسرعة من خلال الشعور بحالات الاسترخاء والتثاؤب والاختناق، والشعور بالرغبة في مغادرة مكان التلفزيون، بعيدا حيث يمكن أن ينعشك الهواء.

وربما يعود السبب لخلل فني في حاسة الذوق لدي، رغم ما يجلبه صانعو المسلسلات من جمال ونضارة ورخاء، لوجوه الممثلين والممثلات، ولمشاهد الديكور والمفروشات والملبوسات والإكسسوارات.

وأنا هنا لا أريد أن ألقي اللوم على أحد، ولا يهمني أن أشرك معي غيري في همي وغمي، ولا أريد أن أفسد فرجة المسلسلات العربية على كثير من المفتونين والمفتونات، والمهوسين والمهوسات..

وربما لأن وضعنا العربي المريض المزمن، وحالات القهر العام من الداخل والخارج، ومشاهد مسلسل العدوان والقتل والتدمير والإذلال على أرضنا من المحيط إلى الخليج قد شوشت الرؤية لدي وأصابتني بعمى الألوان.

فأنا، لا زلت أرى مشاهد هذا المسلسل الحقيقية ترتسم أمام مخيلتي كخلفية ثابتة تفقدني القدرة على التركيز على ما سواها من المشاهد العابرة في حياتي العادية.

متى أستطيع أن أجبر نفسي على النسيان، ومتى يعود زمن الحكايات العربية، فتنمحي تلك الخلفية القاتمة المشوشة، وتزول تلك الغشاوة، وتعود إلي رغبة المتابعة والمشاهدة..!!

ليست هناك تعليقات: