الاثنين، 11 فبراير 2008

تجارب الجاحظ ونوادره عن عجائب المخلوقات

كتب يوم الأحد,أيار 14, 2006

إذا جَمَعَ بعضُ أهل العَبث وبعضُ أهل التَّجرِبة بين العقرب وبين الفأرة في إناءِ زجاج، فليس عندَ الفأرة حيلةٌ أبلغُ من قرض إبرة العقرب فإمّا أنْ تموتَ من ساعتها، وإمَّا أنْ تتعجل السَّلامةَ منها، ثم تقتلَها كيف شاءت، وتأكلَها كيف أحبَّت.

مَن علَّم الذّرَّة ( النملة الصغيرة ) أن تفلق الحبَّةَ فتأكل موضع القِطمير لئلاّ تنبتَ فتفسُد، فإذا كانت الحبَّة من حبّ الكزْبُرة ففلقتها أنصافاً لم ترض حتى تفلِقها أرباعاً؛ لأن الكُزبُرة من بين جَميع الحب تنبُت وإنْ كانت أنصافاً، وهذا عِلْمٌ غامضٌ.
إذَا عرَفه الشّيخُ الفلاّح المجرِّب، والفاشكار الرئيس والأكَّار الحاذِق، فقد بلغوا النهاية في الرِّياسة.

من علّم الدبّ الأنثى إذا وضعت ولدَها أنْ ترفعَه في الهواء أياماً تهرُب به من الذَّرِّ والنمل، لأنها تضعه كفِدْرة ( كتلة ) من لحمٍ، غيرَ متميِّز الجوارح، فهي تخاف عليه الذَّرَّ، وذلك له حتفٌ، فلا تزالُ رافعةً له وراصدة، ومُتفَقِّدَةً وَمُحَوِّلةً له من موضع إلى موضع، حتى يشتد وتنْفرج أعضاؤُه.

وممَّا فضلت به السِّباعُ على بني آدمَ أنّ اللّه جعَلَ في طِباع إناث السباع والبهائم، من الوحشيّة والأهلية، رَفْعَ اللَّبن وإرسالَه عند حضور الولد، والمرأة لا تقدر أن تدرّ على ولدها وترفَعَ لبنها في صدرها إذا كان ذلك المُقَرَّبُ منها غيرُ ولدِها.
والذي أعطى اللّه البهائم من ذلك مثل ما تعرف به المعنى وتتوهَّمه.

اعلم أَنّ اللّه تعالى قد أقدر الإنسانَ على أن يحبس بولَه وغائطه إلى مقدارٍ، وأن يخرجهما، ما لم تكن هناك عِلَّةٌ من حُصْرٍ وأُسْر، وإنما يخرج منه بولُه ورَجِيعه بالإرادة والتوجيه والتهيؤ لذلك، وقد جعل اللّه حبْسَه وإخراجَه وتأخيرَه وتقديمَه على ما فسَّرْنا، فعلى هذا الطريق طوْقُ (قدرة) إناثِ السِّباع والبهائم، في رفْع اللّبَن.

ليست هناك تعليقات: