كتب يوم الأربعاء,آب 23, 2006
مقدمة لقبول الرأي والرأي الآخر
عطفا على إدراجنا السابق الذي دعونا من خلاله كافة الإخوة المدونين إلى المساهمة في مشروع مراجعة مسار التدوين العربي، نود الآن أن نخطو الخطوة الأولى نحو هذا الهدف.
وأقدم في هذا الإدراج توطئة بسيطة لهذا المشروع الذي توجس منه بعض الإخوة وذهبت بهم الظنون في كل اتجاه، رغم اقتناعي بصدق نوايا أكثرية الإخوة المدونين، وبحرصهم على إغناء مشهد التدوين العربي بالممتع والمفيد، سواء من جهة إبداء الرأي والنصيحة ـ إن كانت النصيحة في زماننا هذا لا زالت كما كانت في سالف العصر والأوان تساوي جملا ـ وذلك عبر تعليقاتهم القيمة الصريحة البعيدة عن الابتذال والمجاملات السطحية، أو من جهة تدقيقهم ومراجعتهم الذاتية لما يعرضونه من إدراجات.
ثم سأتبع ذلك في الإدراج الموالي بمجموعة من الأسئلة العملية المتعلقة بالتدوين، على شكل استبيان عام، بقصد توضيح وتحديد الدوائر المنفتحة أو المنغلقة، والمتقاربة أو المتباعدة داخل جغرافية التدوين العربي.
المقدمة:
وهي فرش أولي لإدارة نقاش حر نزيه مفتوح حول هذا المشروع ، وأوضح فيه حقيقتين بديهيتين مرتبطتين بعمل الكتابة بشكل عام والتدوين بشكل خاص:
الحقيقة الأولى:
إن التدوين كتابة رقمية، حلت محل القرطاس والقلم. ولفظا: الكتابة والتدوين يفيدان في مدلولهما اللغوي الجمع والتقييد، وتوثيق المعلومة، وتداولها على نطاق واسع، وحفظها من النسيان أو الضياع.
وربما تفوق التدوين الإلكتروني على كل وسائل التدوين التقليدية الأخرى ـ كالكتب والصحف والمجلات والكراسات والأضابير والكنانيش والمنمنمات والمخطوطات وغير ذلك ـ في هذه الجوانب، وفي قوة التدفق، وسرعة الانتشار، وفي إمكانيات الفرز والتخير، وفي الوصول السريع إلى المعلومات والصور الثابتة والمتحركة والملفات الصوتية عبر محركات البحث الكبرى والصغرى، وعبر بوابات ونوافذ مشرعة على الدوام تنفتح وتتمدد وتتناسل إلى ما لانهاية… هذا فضلا عن إمكانيات التحكم الذاتي في الخيارات الرقمية الهائلة، من قبيل تكبير الخط أو تصغيره أو تلوينه، أو طبع النصوص أو استنساخ الملفات أو قصها أو لصقها جزئيا أو كليا، أو حفظها أو استرجاعها أو إرسالها عبر البريد الإلكتروني…
ولا شك أن خدمات الأنترنت الكثيرة قد قلصت كثيرا حركة الأبدان نحو المكتبات العمومية، ونحو دور السينما والمسرح، بل وحتى نحو المقاهي لأخذ المعلومة من أفواه الرجال المتحلقين حول أكواب الشاي والقهوة، والراصدين لحركة المارة العابرين، والخائضين في أشكال النميمة المقنعة بكل ما هو ثقافي وسياسي، أومن أعمدة الجرائد والصحف البيضاء والصفراء وحتى الحمراء…
وكيف يجد المرء في نفسه حاجة إلى ارتياد تلك الأماكن البعيدة مادام جوف الأنترنت القريب يحوي كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة، وما دام مجرى وادي السليكون يصل حيث يقبع في ركن من أركان بيته.
ولكن، مع كثرة تداول المعلومات والمعارف رقميا، فإن درجة الوثوق بها لم ترق بعد في عالمنا العربي، إلى مستوى الكتاب المطبوع أو النص المخطوط أو المرقون،أو حتى إلى عمود صحيفة قطرية أو حزبية أو شخصية؛ والدليل على ذلك تحفظ بعض دوائر البحث العلمي الجامعي، وكثير من المشرفين على البحوث الأكاديمية من المراجع والإحالات الرقمية. فهي لا تعدو، في نظر هؤلاء، أن تكون مراجع ثانوية تعتمد فقط على سبيل الاستئناس، لا على سبيل الوثوق..
وإذا ما السبيل إلى دعم مصداقية المدونات وترسيخ قيم الثقافة الرقمية الجديدة داخل المشهد الثقافي العربي ؟؟، وكيف نوفر لها قدرا مقبولا من الموثوقية على مستوى المعلومة، وعلى مستوى حاملها، وعلى مستوى الأشكال والقوالب اللغوية المناسبة المقبولة التي أفرغت فيها ؟؟
وهل يكفي صب ثقافتنا وفكرنا وتراثنا وأحلامنا وأوهامنا وهلوساتنا وخصوصياتنا، على علاتها، في مجرى وادي السليكون ليتحقق ذلك المجتمع العربي الافتراضي المثالي الذي كثيرا ما يبدو مفارقا للواقع العربي الحقيقي المتخبط في الأزمات الدينية والفكرية والمذهبية والسياسة والاقتصادية والصناعية والتنموية العامة، وموقع (مكتوب) مثلا نموذج صالح لدراسة مجتمع التدوين العربي بكل تناقضاته وتفاعلاته السلبية والإيجابية؟؟!!.
أم أن الواقع الافتراضي العربي شكل من أشكال الهروب الحالم، بعيدا عن جحيم الواقع الحقيقي، دون أن يُكبِّد المدون نفسه عناء وأضرار النزول إلى ساحات هذا الواقع الملتهب، بعيدا عن شاشات الحواسب التي تحيط بها أجهزة التكييف الصناعي والنفسي والفكري؟؟!!.
فليس من رجله في الماء كمن رجله في النار. ولعل الحرب الأخيرة التي شنت على بلاد لبنان الشقيق كانت اختبارا لنا جميعا ـ معشر المدونين ـ ومحكا قاسيا لأفكارنا ومواقفنا وتناقضاتنا وقوتنا وضعفنا وتخاذلنا وتماسكنا…
الحقيقة الثانية:
مهما بلغت التقنية الرقمية من تطور مذهل فهي لا تعدو في نهاية المطاف أن تكون نوعا من الحيل البشرية البسيطة لاستكشاف عنصر بسيط من حقيقة هذا الإنسان في سعيه الحثيث إلى بلوغ الكمال والقوة، وفك قيود العزلة عن بني البشر من حيث هم كائنات خلقت من نقص ومن عجل.
ومع الأسف لا زال هناك، داخل بلادنا العربية، من يهول أمر التدوين الرقمي على صاحبه لدواع أمنية وسياسية ودينية واجتماعية وأخلاقية، كما لا زال هناك أيضا من يستخف به ويشوش عليه. ومن علامات ذلك أن تجد أفراد الأسرة العربية الواحدة منقسمين في نظرتهم للحاسوب، وفي الإعراض عنه أو في الإقبال عليه، وفي طبيعة استعمالهم له، وفي الاستفادة المثلى من خدماته.
فهل الموجود من مدوناتنا على قدر وجودنا، وهل يعبر عن حقيقة ذاتنا العربية الأصيلة كما هي، لا كما يراد لها أن تكون؟؟. أم أنها لا تعدو أن تكون جزرا معزولة عن بعضها البعض، وأن صيحاتها لا تلبث أن تضيع في واد سحيق من الإهمال، وأن إدراجاتنا التي وفرنا لها قدرا من النضارة والرونق ما تلبث أن تذوي وتتساقط وتتلاشى كما الساعات والدقائق المنصرمة من عمر كوكبنا، أو كأوراق الخريف الصفراء المتهاوية التي تتحول إلى جزء من تراب هذه الأرض، أو إلى ما يشبه العدم.
تلك أسئلة مؤرقة أضعها في عهدتك أيها المدون وأيها الزائر الكريم ..
مقدمة لقبول الرأي والرأي الآخر
عطفا على إدراجنا السابق الذي دعونا من خلاله كافة الإخوة المدونين إلى المساهمة في مشروع مراجعة مسار التدوين العربي، نود الآن أن نخطو الخطوة الأولى نحو هذا الهدف.
وأقدم في هذا الإدراج توطئة بسيطة لهذا المشروع الذي توجس منه بعض الإخوة وذهبت بهم الظنون في كل اتجاه، رغم اقتناعي بصدق نوايا أكثرية الإخوة المدونين، وبحرصهم على إغناء مشهد التدوين العربي بالممتع والمفيد، سواء من جهة إبداء الرأي والنصيحة ـ إن كانت النصيحة في زماننا هذا لا زالت كما كانت في سالف العصر والأوان تساوي جملا ـ وذلك عبر تعليقاتهم القيمة الصريحة البعيدة عن الابتذال والمجاملات السطحية، أو من جهة تدقيقهم ومراجعتهم الذاتية لما يعرضونه من إدراجات.
ثم سأتبع ذلك في الإدراج الموالي بمجموعة من الأسئلة العملية المتعلقة بالتدوين، على شكل استبيان عام، بقصد توضيح وتحديد الدوائر المنفتحة أو المنغلقة، والمتقاربة أو المتباعدة داخل جغرافية التدوين العربي.
المقدمة:
وهي فرش أولي لإدارة نقاش حر نزيه مفتوح حول هذا المشروع ، وأوضح فيه حقيقتين بديهيتين مرتبطتين بعمل الكتابة بشكل عام والتدوين بشكل خاص:
الحقيقة الأولى:
إن التدوين كتابة رقمية، حلت محل القرطاس والقلم. ولفظا: الكتابة والتدوين يفيدان في مدلولهما اللغوي الجمع والتقييد، وتوثيق المعلومة، وتداولها على نطاق واسع، وحفظها من النسيان أو الضياع.
وربما تفوق التدوين الإلكتروني على كل وسائل التدوين التقليدية الأخرى ـ كالكتب والصحف والمجلات والكراسات والأضابير والكنانيش والمنمنمات والمخطوطات وغير ذلك ـ في هذه الجوانب، وفي قوة التدفق، وسرعة الانتشار، وفي إمكانيات الفرز والتخير، وفي الوصول السريع إلى المعلومات والصور الثابتة والمتحركة والملفات الصوتية عبر محركات البحث الكبرى والصغرى، وعبر بوابات ونوافذ مشرعة على الدوام تنفتح وتتمدد وتتناسل إلى ما لانهاية… هذا فضلا عن إمكانيات التحكم الذاتي في الخيارات الرقمية الهائلة، من قبيل تكبير الخط أو تصغيره أو تلوينه، أو طبع النصوص أو استنساخ الملفات أو قصها أو لصقها جزئيا أو كليا، أو حفظها أو استرجاعها أو إرسالها عبر البريد الإلكتروني…
ولا شك أن خدمات الأنترنت الكثيرة قد قلصت كثيرا حركة الأبدان نحو المكتبات العمومية، ونحو دور السينما والمسرح، بل وحتى نحو المقاهي لأخذ المعلومة من أفواه الرجال المتحلقين حول أكواب الشاي والقهوة، والراصدين لحركة المارة العابرين، والخائضين في أشكال النميمة المقنعة بكل ما هو ثقافي وسياسي، أومن أعمدة الجرائد والصحف البيضاء والصفراء وحتى الحمراء…
وكيف يجد المرء في نفسه حاجة إلى ارتياد تلك الأماكن البعيدة مادام جوف الأنترنت القريب يحوي كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة، وما دام مجرى وادي السليكون يصل حيث يقبع في ركن من أركان بيته.
ولكن، مع كثرة تداول المعلومات والمعارف رقميا، فإن درجة الوثوق بها لم ترق بعد في عالمنا العربي، إلى مستوى الكتاب المطبوع أو النص المخطوط أو المرقون،أو حتى إلى عمود صحيفة قطرية أو حزبية أو شخصية؛ والدليل على ذلك تحفظ بعض دوائر البحث العلمي الجامعي، وكثير من المشرفين على البحوث الأكاديمية من المراجع والإحالات الرقمية. فهي لا تعدو، في نظر هؤلاء، أن تكون مراجع ثانوية تعتمد فقط على سبيل الاستئناس، لا على سبيل الوثوق..
وإذا ما السبيل إلى دعم مصداقية المدونات وترسيخ قيم الثقافة الرقمية الجديدة داخل المشهد الثقافي العربي ؟؟، وكيف نوفر لها قدرا مقبولا من الموثوقية على مستوى المعلومة، وعلى مستوى حاملها، وعلى مستوى الأشكال والقوالب اللغوية المناسبة المقبولة التي أفرغت فيها ؟؟
وهل يكفي صب ثقافتنا وفكرنا وتراثنا وأحلامنا وأوهامنا وهلوساتنا وخصوصياتنا، على علاتها، في مجرى وادي السليكون ليتحقق ذلك المجتمع العربي الافتراضي المثالي الذي كثيرا ما يبدو مفارقا للواقع العربي الحقيقي المتخبط في الأزمات الدينية والفكرية والمذهبية والسياسة والاقتصادية والصناعية والتنموية العامة، وموقع (مكتوب) مثلا نموذج صالح لدراسة مجتمع التدوين العربي بكل تناقضاته وتفاعلاته السلبية والإيجابية؟؟!!.
أم أن الواقع الافتراضي العربي شكل من أشكال الهروب الحالم، بعيدا عن جحيم الواقع الحقيقي، دون أن يُكبِّد المدون نفسه عناء وأضرار النزول إلى ساحات هذا الواقع الملتهب، بعيدا عن شاشات الحواسب التي تحيط بها أجهزة التكييف الصناعي والنفسي والفكري؟؟!!.
فليس من رجله في الماء كمن رجله في النار. ولعل الحرب الأخيرة التي شنت على بلاد لبنان الشقيق كانت اختبارا لنا جميعا ـ معشر المدونين ـ ومحكا قاسيا لأفكارنا ومواقفنا وتناقضاتنا وقوتنا وضعفنا وتخاذلنا وتماسكنا…
الحقيقة الثانية:
مهما بلغت التقنية الرقمية من تطور مذهل فهي لا تعدو في نهاية المطاف أن تكون نوعا من الحيل البشرية البسيطة لاستكشاف عنصر بسيط من حقيقة هذا الإنسان في سعيه الحثيث إلى بلوغ الكمال والقوة، وفك قيود العزلة عن بني البشر من حيث هم كائنات خلقت من نقص ومن عجل.
ومع الأسف لا زال هناك، داخل بلادنا العربية، من يهول أمر التدوين الرقمي على صاحبه لدواع أمنية وسياسية ودينية واجتماعية وأخلاقية، كما لا زال هناك أيضا من يستخف به ويشوش عليه. ومن علامات ذلك أن تجد أفراد الأسرة العربية الواحدة منقسمين في نظرتهم للحاسوب، وفي الإعراض عنه أو في الإقبال عليه، وفي طبيعة استعمالهم له، وفي الاستفادة المثلى من خدماته.
فهل الموجود من مدوناتنا على قدر وجودنا، وهل يعبر عن حقيقة ذاتنا العربية الأصيلة كما هي، لا كما يراد لها أن تكون؟؟. أم أنها لا تعدو أن تكون جزرا معزولة عن بعضها البعض، وأن صيحاتها لا تلبث أن تضيع في واد سحيق من الإهمال، وأن إدراجاتنا التي وفرنا لها قدرا من النضارة والرونق ما تلبث أن تذوي وتتساقط وتتلاشى كما الساعات والدقائق المنصرمة من عمر كوكبنا، أو كأوراق الخريف الصفراء المتهاوية التي تتحول إلى جزء من تراب هذه الأرض، أو إلى ما يشبه العدم.
تلك أسئلة مؤرقة أضعها في عهدتك أيها المدون وأيها الزائر الكريم ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق