السبت، 9 فبراير 2008

ليتني كنت حمارا مثلك

كتب يوم الأربعاء,شباط 08, 2006

أعتذر منك عزيزي القارئ عن هذا العنوان أعلاه الذي قد تستنكف منه، لكن أرجو أن لا تسئ بي الظن قبل الفراغ من قراءة هذا الإدراج وتعرف كامل القصة.

فلقد تلقيت دعوة من أخ كريم يستضيفني فيها على بريد ( كوكل) المجاني، فهزتني أريحيته كثيرا وسررت بهذا الالتفات الحاتمي النادر من جانبه. ولكن عندما أعدت قراءة دعوته لأتبين هويته أثارني شئ غريب لم يكن ليخطر على بالي أبدا، وذلك أنه وقع دعوته لي باسم (الحمار).

وفي الحقيقة لقد فوجئت بهذا التوقيع الغريب من شخص لا تربطني به صداقة أو زمالة، وليس لي به معرفة أكيدة أو استلطاف سابق، وتحيرت في هذا الأمر، وانشغلت بسر ذلك التوقيع الغريب حتى ذهلت عن موضوع الدعوة، وأرجأت تعبئة استمارة المشاركة في بريد ( كوكل) إلى وقت لاحق حتى أفرغ من كشف حقيقة هذا التوقيع العجيب.

فأحببت أن أكتب بضع كلمات عابرات عن هذا الموضوع الذي تورطت فيه عن غير قصد مني، من باب رد التحية و الشكر للأخ المحترم.

بدأت أولا ألملم خيوط هذا الموضوع بالرجوع إلى كتب التراث والأشعار والأمثال التي تناولت ذلك المخلوق الحيواني المدعو ب ( الحمار )، ثم أردفت ذلك بقراءة صفحات بعض المواقع التي كتبت عن موضوع الحمار ومتعلقاته من قريب أو من بعيد، وطالعت مذكراتي ومذكرات بعض الاخوة المدونين.

وكم كانت دهشتي كبيرة لِما وجدته من معلومات غزيرة وحقائق وعجائب ومتناقضات مثيرة بخصوص ذلك المخلوق الحيواني الذي ألفناه عند المكاري أومربوطا عند الطواحين أو نواعير الماء أو محملا بالبضائع والماء في الأسواق والمداشر.

وأهم ما أثارني هو ازدياد نزعة التعاطف بشكل لافت لدى كثير من المدونين وأصحاب المواقع مع شخص صاحبنا الحمار لدرجة التماهي به أوالرغبة الجامحة في ( الاستحمار) لأجل عيونه، أقول هذا مع كامل اعتذاري وأسفي لما قد يمكن أن يثيره هذا الوصف من إزعاج لدى البعض. فالصورة المشوهة التي كنت أحملها سابقا عن الحمار تغيرت تماما الآن، بعد الذي قرأته وعاينته.

وقد بلغ الإعجاب ببعض المفتونين منهم حدا جعلهم يفردون له زوايا خاصة وصفحات عديدة خالصة، زينوها بطائفة من صوره الأنيقة التي التقطت له بعناية فائقة، وفي أوضاع مريحة وممتعة جدا، عند البراري والروابي والمروج الخضراء، متخففا من كل الأعباء والأثقال والأحمال، وبدون حلس ولا بردعة، ولا دوار الطاحونة، ولا آلام السياط، وأوجاع القوائم من طول الركض والسعي في حاجات الآدميين طول النهار.
ومنهم من استوحى منه أشعارا وقصصا وحكايات وطرائف ومقالات حملوها رسائل منوعة الأغراض والمقاصد، وإشارات ورموز في السياسة والأخلاق والثورة والجموح والصبر… وهلم جرا…!!

وبعد الذي قالوه ودبجوه أدركت أن بضاعتي في هذا الموضوع صارت كاسدة، وأن كلامي ما عاد له نفع أو لزوم إلا إن يكون من باب التكرار والاجترار. ولكن، عادت إلي ذكريات قديمة أحببت أن أدرجها لتكتمل الصورة في ذهن القارئ أكثر بشقيها الغابر والحاضر، فأذكر من ذلك؛

أن أستاذ العروض في المرحلة الجامعية كان ينعت بحر الرجز بحمار الشعراء لسهولته ويسره وتحمله أن يأتي بكامل الوزن ( التام ) أو بنصفه ( المشطور ) أو حتى بربعه ( المنهوك ).

وأن أستاذنا الدكتورعبد الله الطيب ( السوداني ) – رحمه الله - صاحب كتاب ( المرشد إلى فهم أشعار العرب ..)، وكان يدرسنا مادة النقد القديم كان هو الآخر ينعت كتاب ( العمدة ) لابن رشيق القيرواني ب حمار النقاد، ليسره وسهولته، ولأن الجميع يأخذ منه ولا يحيل عليه، لرواجه الكبير في بيئة الدارسين المشتغلين بالنقد القديم.

وتعلمت من قراءة النصوص الشعرية العربية القديمة أن ابن الإنسان في حالة الفقر والإملاق يتساوى مع ابن الحمار في التسمية، فكلمة ( تولب ) تطلق على ابن الإنسان وابن الحمار على حد سواء، إلى أن يرتقي درجة مقبولة من الغنى، فيزول عنه الشعث والغبرة، ويحسن عند النظر إليه، كقول الشاعر القديم:
وذات هِدْمٍ عار نواشِرُها ــ تُصْمِتُ بالماء تَََوْلَبا جَدَعا

قال الإمام عبد القاهر الجرجاني في تفسير وجه البلاغة والاستعارة في كلام هذا الشاعر: ( أجرى التولب على ولد المرأة، وهو لولد الحمار في الأصل، وذلك لأنه يصف حال ضر وبؤس، ويذكر امرأة بائسة فقيرة، والعادة في مثل ذلك الصفة بأوصاف البهائم، ليكون أبلغ في سوء الحال وشدة الاختلال، ومثله سواء قول الآخر:
وذكرت أهلي بالعرا ــ ق وحاجة الشُّعْث التَّوالب

كأنه قال: (الشعث التي لو رأيتها حسبتها توالب، لما بها من الغبرة وبذاذة الهيأة).
ــــــــــــ

ما أكثر التوالب اليوم في عالمنا العربي الذين اجتازوا جميع عتبات الفقر، رغم البترول، فليهنأوا بشعثهم وغبرتهم وتمرغهم في أوحال الدروب والمداشر والأحياء الضيقة العفنة…!!

وتعلمت من كتب الأمثال أن أكثر النعوت السلبية للإنسان العربي، مشتقة من عالم الحمار والكلب… ربما عدت إلى بعض تلك النعوت الكثيرة في إدراجات لاحقة..

من منا ياترى، سواء أكنا أفرادا أوجماعات لم تلحقه السبة بأحد الحيوانين المذكورين أو بكليهما، من الآباء والأقرباء وحتى من الأصدقاء والأعداء؟! ألأنهما الأقرب إلى عالم الإنسان!! وهل يعقل أن تخلو حياة الإنسان من وجود أحدهما.

ولماذا نستكثر على الحمار المسكين أن يركب موجة وطفرة الكلاب المدللة في هذه الأيام. وأن ترى له صور أنيقة!! من منا لم ير كلب بوش يسبقه إلى امتطاء الطائرة، حلم لم يتحقق لكثير من المثقفين والكتاب داخل البلدان العربية.!!!

وأخير، أقول لصاحب الدعوة أني قد استوعبت الموضوع جيدا، وأني سأفعل مثل الذي فعله، فهل تقبل مني أن أكون حمارا مثلك!!!
وإلى كل من يريد أن تصيبه العدوى ( الحمارية ) لأنهاعلى الأقل، الأسلم من كل عدوى الطيور والبقر والخنازير!!..
وإلى كل من يجرب الاستضافة على بريد كوكل، مع الاعتذار المسبق عن أصحابنا في إدارة موقع مكتوب بلوك، أن يعرب عن ذلك من خلال التعليق..

شكرا لك أيها الأخ، على جميل لطفك، وهذا الإدراج مهدى لك، فأرجو أن تتقبله وتتجاوز عما فيه، فهو محض كلام عابر…!!
وشكرا لك أيها القارئ الكريم على تحملك لبعض أنواع الهذيان، ربما ذلك من أعراض الصدمات التى تتقاذفنا في هذا الوطن على مدار الساعة..!! وحتى على الواوات التي أكثرت منها عند بداية كل فقرة…!!!
————–
هامش:
النص مقتبس عن كتاب ( أسرار البلاغة ).

ليست هناك تعليقات: