السبت، 9 فبراير 2008

على هامش عاشوراء

كتب يوم الخميس,شباط 09, 2006

تتزامن تفاعلات الرسوم الكاريكاتورية المسيئة إلى شخص الرسول الكريم مع احتفالات المسلمين الدينية ببداية عام هجري جديد، وذكرى يوم عاشوراء، في تاريخ المسلمين، عندما عمد عبيد الله بن زياد إلى قتل الحسين بن علي في ( الطف) من شاطئ الفرات بموضع يقال له ( كربلاء ) سنة 61 هجرية.

وتتفق جميع الشعوب الإسلامية على الاحتفال بهذا اليوم المشهود من الهند والسند وحتى المغرب الأقصى، ولكنها تختلف في طريقة التعبير عن احتفالها بذلك اليوم المشهود المشؤوم .

ولكن، ومهما تباعدت درجات الاختلاف أو التشابه في طريقة إعلان تلك الاحتفالات أو في أشكال التمادي فيها إلى أقصى حد ممكن بين بلد وآخر، تبقى حقيقة واحدة ضائعة وسط زحمة كل تلك الطقوس والاحتفالات، هي حقيقة الشعوب العربية نفسها التي ضاعت هي الأخرى بين سندان التاريخ الذي يعمل أغلبنا على تجميله بالأصباغ والمساحيق الكاذبة ادعاء وغرورا، أو تزلفا ونفاقا، ومطرقة الحاضر الذي أكثرنا الكلام عنه وفيه، ولم نحسن التفاعل معه أو التأثير فيه.

حقا وكما أشرت إلى ذلك في إدراج سابق: لقد كثر منا المتكلمون والواصفون وقل الفاعلون والعاملون.
الشعوب تصنع تاريخها بالأفعال لا بالأقوال والأوهام والعواطف الجامحة حتى الجنون، ترى هل ضيعنا عقولنا أم أنها خرجت من جماجمنا؟!!.

لماذا نحترم الشعب الياباني، على سبيل المثال!! الجواب في ذهن كل واحد منا حاكم ومحكوم، عالم وعامل بل حتى جاهل. أغلبنا لا يثق ولا يطمئن إلا للصناعة اليابانية، وحتى القرويون يستطيعون أن يميزوا بيسر وسهولة الماركات اليابانية عن غيرها.

لماذا نكذب عقولنا ونصدق أوهامنا وعواطفنا؟!!. قرأت في كثير من التقارير أن الشعب الياباني أكثر الشعوب أمانة في العالم، وأن معظم الأمانات والمفقودات عندهم ترجع إلى أصحابها. صراحة لا أذكر شيئا أضعته رد إلي، بل أذكر أشياء كثيرة سرقت مني.. أعرف أن هناك عددا لا يستهان به من المدونين والمدونات في مثل وضعي، ربما كثيرا وربما قليلا.

وأكثر ما يحز في نفسي تنبيه مكتوب يلصق على جدران وأعمدة كثير من المساجد يقول: ( ضع حذاءك أمامك !!).
بالله!، كيف يجتمع الخشوع في الصلاة والخوف من ضياع أو سرقة حذاء في قلب مؤمن يلجأ إلى بيت من بيوت الله؟!!. لايهمني الحذاء بقدرما تهمني أقدامي إذا سرت حافيا إلى البيت، وكيف أقنع نفسي وأهلي بأن حذائي قد سرق مني وداخل المسجد، حبذا لو نزع ذلك التنبيه لأن فيه إساءة، على ما أظن إلى حرمة وسمعة المسجد، ولأنه على الأقل قد يربك المصلين ويجعلهم يشكون ويتوجسون من إخوانهم المصلين.

ثم دع عنك حديث السرقات الصغيرة، وإن كبر إثمها عند الله، إلى حديث سرقات المال العام. أين ذهبت أموال الشعب الفلسطيني هذه الأيام؟ وأين ذهبت عائدات الشعب العراقي من البترول، وهو المطحون والمكتوي بنار الحرب والفتنة كل يوم، أين الماء؟ أين الكهرباء؟ أين حق التعليم؟ أين حق العمل؟ أين الغذاء؟ أين الدواء؟ أين؟ أين؟؟؟؟… !!

لاشك أن الرسوم الكاريكاتورية المشؤومة ستلقي بظلالها الكثيفة على احتفالات عاشوراء هذه السنة ليرتفع عنان البكاء والندب والصراخ والعويل أكثر مما كان لدى شعوبنا المغلوبة، ولتمتد أياديها إلى لطم خدودها وشق نحورها، وحتى شج رؤوسها بالسيوف والسكاكين ليس فقط حزنا على مقتل الحسين ومصارع آل البيت الأطهار، بل أيضا ندبا وأسفا على كل الأزمنة والأمكنة العربية الرديئة.

ما زالت الفجوة هائلة بين الحاكمين والمحكومين داخل البلدان العربية، وبين الأب وابنه، والأخ وأخيه، والأستاذ والطالب، والذكر والأنثى….، وما زالت الشعوب العربية وحدها تؤدي أخطاء الماضي والحاضر، وتدفع مستحقات كل الهفوات والعثرات السياسية والاقتصادية أقساطا منجمة ومفرقة من مالها وجاهها وعرضها وراحتها.

أعتقد أن ما تعيشه الشعوب العربية حاليا من غضب وهيجان هو نوع من قلق الذات الجماعية، وغياب نوع من راحة الشعوب، تلك الراحة الجماعية الهامة التي ربما يشعر بها اليابانيون أكثر، وهي التي تدفعهم إلى العمل والتفاني فيه، والانشغال به عما سواه من القيل والقال والوهم والمحال.

وأختم هذا الإدراج بذكر بعض الأعاجيب التاريخية المرتبطة بمصرع الحسين في كربلاء، ومنها:
أن عبيد الله بن زياد قتل الحسين في يوم عاشوراء وقتله الله يوم عاشوراء في السنة الأخرى.
ولد الحسين سنة أربع من الهجرة وقتل وهو ابن ست وخمسين سنة، قتله سنان بن أبي أنس، وأجهز عليه خولة بن يزيد الأصبحي، من حمير، وحز رأسه وأتى به عبيد الله وهو يقول:

أَوْفِر ركابي فضة وذهبا أنا قتلت الملك المُحَجَّبا
خيرَ عباد الله أمـــا وأبــــــــا


فقال له عبيد الله بن زياد: إذا كان خير الناس أما وأبا وخير عباد الله، فلم قتلته؟ قدموه فاضربوا عنقه، فضربت عنقه.
———–
هامش:
هذا الخبر اقتبسناه عن كتاب ( العقد الفريد )، لابن عبد ربه الأندلسي

ليست هناك تعليقات: