الجمعة، 8 فبراير 2008

الجمال والقبح … وجها لوجه

كتب يوم الإثنين,كانون الثاني 16, 2006

الجمال معدود، عند البعض، من الخيرات والنعم، وكنز لصاحبته يأتيها طوعا دون أن تسعى إليه، مثله مثل باقي النعم الأخرى التي فضل الله بها بعضا على بعض، من خلقه.
ومعلوم لكل ذي بصيرة نافذة أن كل ما منحه الله تعالى للإنسان من سائر الأوصاف الخِلْقية والخُلُقية والطباع والقدرات العلمية والعملية إنما هو هبة منه، سبحانه وتعالى، ابتدأه بها مذ كان نطفة في رحم مظلم.

ومع هذا قد تغتر الحسناء بجمالها فتغفل عن هذه الحقيقة، وقد يتملكها الغيظ فلا تطيق رؤية الحلي والجواهرعلى أختها الدميمة، وتستكثر عليها ذلك فتعجب وتقول: كيف يُحرم جمالها من الغنى والزينة ويُخصص مثل ذلك لتلك القبيحة؟!!
ثم إذا وُوجهت بالحقيقة، وخُيِّرت بين الجمال مع الفقر، وبين القبح مع الغنى عاد إليها رشدها وصوابها قليلا، فآثرت الجمال على ما سواه، أو تظاهرت بذلك في علانيتها دون سرها.

وحقا، للجمال، في عصرنا هذا، نوع من النفوذ والقوة، إذ تقدر الجميلة على إنجاز حاجات قد لا تقدر عليها القبيحة، ألا ترى كيف يفسح الرجال عادة للحسناوات بتلقائية لامتناهية، في الطريق، وفي قاعات الانتظار، وفي كراسي الحافلات والقطارات… أما القبيحة فقد اعتادت أن تدفع وتدافع، وتنتظر طويلا حتى يأتيها الدور.
وإذا نظرت إلى المجلات النسائية، لا تجد فيها غير صور الحسناوات الرشيقات الممشوقات القوام، وكأن ليس هناك قبيحة في العالم..!!.
وللحسناوات المحظوظات في مهرجانات الجمال القُطرية والعالمية حظ كبير لم يكن ليخطر لهن على بال، من الجاه والشهرة، ومواعيد تلو المواعيد مع شركات إنتاج وتسويق الصور المتحركة والثابتة…
وإذا تصفحت مواقع الأنترنت تجد أن أكثر المواقع جذبا تلك التي تعج بصور الجميلات اللائي يعرضن فيها فتنة أجسادهن جملة أو تفصيلا، وبأخبارهن المثيرة في إدارة أعناق الرجال… ولكن ما نصيب القبيحات من كل ذلك، وقد يكن السواد الأعظم؟!!

إن نظرة الناس إلى القبيحة في الحاضر والماضي يشوبها، في الغالب، قدر من التنقيص والإجحاف؛ فيينسبون إليها كل الأفعال القبيحة والخصال المذمومة، ويجعلون ظاهرها عنوانا مكتوبا بالبند العريض على مخبرها، حتى ولو بقيت صامتة لا تتكلم… وحتى في رسوم الأطفال التي يقال عنها إنها بريئة لاتصور الأفعال الخسيسة والطباع الدنيئة إلا من خلال وجوههن القبيحة فينشأ الأطفال على كره القبيحات…
وقليلة هي تلك الأعمال أو الأخبار التى حاولت أن تنصف القبيحات، وأن تنفذ إلى دواخلهن !!

إن القدر الأعظم من الجمال يتشكل في الجواهر لا في الأعراض، فالصور الباطنية الجميلة حقا هي التي تحملنا على حب أشخاص لا نراهم بعيون رؤسنا، بل بعيون قلوبنا وبصيرتنا لفضلهم وخيرهم وإنسانيتهم، كما مر معنا سابقا في قصة بشار بن برد.

وإدراك الجمال في حد ذاته نوع من اللذة كتلذذنا برؤية خضرة الربيع، وجريان المياه العذبة، وبمناظر الثلوج على أسطح البيوت وقمم الجبال، إذ ليس في رؤية هذه المشاهد الخلابة طمع في تملكها أو الاستئثار بها دون الغير، أو حتى مجرد التفكير في أكلها أو شربها…
والذي فقد البصر قد لا يدرك لذة جمال تلك الصور والمشاهد، على حقيقتها وطبيعتها الصافية النقية، تماما كالذي فقد السمع لأنه لا يعرف لذة الألحان والنغمات الموزونة على حقيقتها كذبذبات عذبة غير منظورة تتخلل الجو، وكذالك الأمر بالنسبة لفاقد حاسة الشم واللمس…
ولكن فاقد القلب قد لا يدرك أبدا حقيقة وجوهر هذه اللذات كلها، ولو سَِلمت جميعُ أعضائه وحواسه…
وربما تكون سلامة حاسة القلب هي التي قادت الإمام أحمد بن حنبل إلى تفضيل العوراء القبيحة على أختها الحسناء الجميلة حين رجح لديه فضلها وعلمها، وهي التي جعلت بعض الزهاد يُقبلون على القبيحة، ويقبلون العيش تحت ظلالها…
وربما اعتبروا تحمل النظر إلى وجهها الدميم نوعا من الزلفى تقربهم من نعيم الجنة ومن الحور العين….

ليست هناك تعليقات: