كتب يوم الثلاثاء,شباط 21, 2006
في هذه الأيام التي استفحل فيها وباء الطيور انقطع صوت الدجاج في كثير من مناطق العالم الموبوءة بعدوى أنفلونزا الطيور، فلا صياح ولا قوقأة (1)، فتذكرت أغنية: ( تبكي الطيور.. )، تلك الأغنية الحزينة الشجية..!
ولا شك أن كثيرا من بسطاء الناس في وطننا العربي قد تذكروها مثلي، بعد أن أصبحت أقفاص الدجاج لدى الباعة خاوية على عروشها، أو شبه خاوية، لتردد الزبناء والمشترين في الاقتراب منها، وخوفهم من عدوى الطيور الباقية…
وكيف لا يتذكر تلك الأغنية من اعتاد على رخص الدجاج ومنافعه الكثيرة، وأنَّى له النسيان أوالاستغناء عن لحم الدجاج، أو التحول عنه إلى لحوم الضأن أو البقر أو الأسماك الغالية. وهو الذي ما كان يطيق أثمانها عند وفرة الدجاج، فكيف يطيقها الآن وقد تضاعفت أثمانها لدى المضاربين والمحتكرين؟!!..
إنها مأساة حقيقية، ليس فقط للدجاج والطيور النافقة بل لفئة كثيرة من البشر ارتبطت حياتهم ومعيشتهم بوجود الدجاج في الخم عند أعالي السطوح أو في الحظيرة.!!
**********
والموت إلى الدجاج سريع جدا، كما ذكر القدماء، ففي سنة 581 هجرية حل الوباء في الدجاج وكثر موت الفجأة بين الناس بأرض مصر، كما ذكر المقريزي في كتابه ( السلوك لمعرفة دول الملوك ).
وقبل ذلك التاريخ في سنة 567 هجرية، وهي السنة التي انقرضت فيها الدولة الفاطمية بمصر أيضا، عدم الدجاج من أرض مصر، فجلبه رجل من الشام، وباع كل فروج بمائة درهم، وكل بيضتين بدرهم.( المصدر السابق أيضا ).
وللمصريين ولع خاص بتربية الدجاج وتكثيره منذ القدم كما وصف ذلك المؤرخ عبد اللطيف البغدادي، ومن قبله، ذكر الجاحظ أن الدجاج بمصر يرعى كما يرعى الغنم، وللدجاج راع وقيم.
**********
ومن الأحاديث النبوية المتعلقة بالدجاج:
عن جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الأغنياء باتخاذ الغنم، والفقراء باتخاذ الدجاج.
وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: صرخ ديك عند النبي صلى الله عليه وسلم فسبه بعض أصحابه، فقال: لا تسبه فإنه يدعو إلى الصلاة.
وعن الحسن بن عمارة، عن عمرو بن مرَّة، وعن سالم بن أبي الجعد، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ مما خلق اللّه تعالى لَدِيكاً عُرْفُه تحتَ العرش وبَرَاثِنُهُ في الأرض السُّفلى، وجَناحاه في الهواءِ، فإذا ذهب ثُلثا الليل وبقي ثُلثُه ضربَ بجناحه ثم قال: سبِّحوا الملِكَ القُدُّوس، سُبُّوح قَدُّوس - أيْ أَنَّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ - فعند ذلك تضرِب الطَّيرُ بأجنحتها وتصيحُ الدِّيَكة.
ولهذا السبب شبهت مواقيت الديك عند الصياح بعمل الأسطرلاب.
ورُوي أنّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسافرون بالدِّيكة، ربما لهذا السبب أيضا.
**********
ومن طرائف الدجاج التي رواها الجاحظ، في كتابه الحيوان:
سئل أحدهم: كيف تعرف الدِّيك من الدجاجة إذا كان صغيراً حين يخرجُ من البيضة؟ فقال: يعلّق بمنقاره، فإنْ تحرَّكَ فهو ديك، وإن لم يتحرَّك فهو دجَاجة.
ومن نوادر الأعراب المتعلقة بالدجاج ما حكاه الجاحظ في هذه القصة المشوقة أيضا. وللجاحظ، كما هو معروف، فصول طريفة وممتعة عن عالم الحيوان في كتبه ورسائله المختلفة. وفيها يختلط الجد بالهزل، و تقترن المتعة بالفائدة:
قال أبو الحسن: حدَّثني أعرابيٌُّ كان ينزل بالبَصْرة قال: قدِم أعرابيٌّ من البادية فأَنزلته، وكان عندي دَجَاج كثير، ولي امرأةٌ وابنان وابنتان منها، فقلت لامرأتي: بَادِري واشوي لنا دَجَاجَة وقدِّميها إلينا نتغدَّاها.
فلمَّا حضر الغداء جلسنا جميعاً أنا وامرأتي وابناي وابنتاي والأعرابيّ.
قال: فدفعنا إليه الدَّجاجة فقلنا له: اقسمِها بيننا - نريد بذلك أنّ نضحك منه -.
فقال: لا أحسنُ القِسمة، فإن رضيتم بقسمَتي قسمْتُها بينكم.
قلنا: فإنَّا نرْضَى.
فأخذَ رأسَ الدَّجَاجة فقطعه فناوَلَنيِه وقال: الرَّأس للرّأس، وقَطَعَ الجناحين وقال: الجناحان للابنين، ثمَّ قطع السَّاقين فقال: السَّاقان للبنتين، ثمَّ قَطَعَ الزَمِكَّي وقال: العجُز للعجُوز، وقال: الَّزور للزائر.
قال: فأخَذَ الدَّجَاجة بأسْرها وسَخِر بنا.
قال: فلما كان من الغد قلتُ لامرأتي: اشوي لنا خَمْسَ دَجاجَاتٍ، فلما حضر الغداءُ، قلت: اقسم بيننا.
قَال: إنِّي أظنُّ أنّكم وجَدْتم في أنفسكم.
قلنا: لا لم نجد في أنفسنا فاقسِم، قَال: أقسِمُ شفعاً أو وِتراً.
قلنا: اقسِم وِتراً.
قالَ: أنت وامرأتك ودَجَاجة ثلاثة، ثمَّ رمى إلينا بدجاجة.
ثُمَّ قَالَ: وابناك ودجاجة ثلاثة، ثمّ رمى إليهما بدجاجة.
ثمَّ قال: وابنتاك ودجاجة ثلاثة، ثمّ رمى إليهما بدجاجة.
ثمَّ قَالَ: أنَا ودجاجتان ثلاَثَةً، وأخذ دجاجتين وسخِر بنا.
قَالَ: فرآنا ونحن ننظر إلى دجاجتيه فقال: ما تنظرون لعلَّكم كرهتم قسَمِتي الوِتر لا يجيء إلاَّ هكذا، فهل لكمْ في قِسمَة الشَّفع؟
قلنا: نعم، فضمَّهنَّ إليه، ثم قال: أنتَ وابناك ودجاجة أربعة، ورمى إلينا بدجَاجَة، ثمَّ قال: والعجوز وابنتاها ودجَاجة أربعة، ورمى إليهنَّ بدجَاجَةٍ.
ثمّ قالَ: أنَا وثلاث دَجَاجَات أربعة، وضمَّ إليه الثَّلاث، ورفَعَ يديه إلى السماء وقال: اللّهم لك الحمد، أنتَ فَهَّمتنيها.
———-
هامش:
(1) صياح الديك: معروف ، وصوت الدجاجة القوقأة، تقول هي تقوقئ. كأن هذه الكلمة حكاية لصوتها
في هذه الأيام التي استفحل فيها وباء الطيور انقطع صوت الدجاج في كثير من مناطق العالم الموبوءة بعدوى أنفلونزا الطيور، فلا صياح ولا قوقأة (1)، فتذكرت أغنية: ( تبكي الطيور.. )، تلك الأغنية الحزينة الشجية..!
ولا شك أن كثيرا من بسطاء الناس في وطننا العربي قد تذكروها مثلي، بعد أن أصبحت أقفاص الدجاج لدى الباعة خاوية على عروشها، أو شبه خاوية، لتردد الزبناء والمشترين في الاقتراب منها، وخوفهم من عدوى الطيور الباقية…
وكيف لا يتذكر تلك الأغنية من اعتاد على رخص الدجاج ومنافعه الكثيرة، وأنَّى له النسيان أوالاستغناء عن لحم الدجاج، أو التحول عنه إلى لحوم الضأن أو البقر أو الأسماك الغالية. وهو الذي ما كان يطيق أثمانها عند وفرة الدجاج، فكيف يطيقها الآن وقد تضاعفت أثمانها لدى المضاربين والمحتكرين؟!!..
إنها مأساة حقيقية، ليس فقط للدجاج والطيور النافقة بل لفئة كثيرة من البشر ارتبطت حياتهم ومعيشتهم بوجود الدجاج في الخم عند أعالي السطوح أو في الحظيرة.!!
**********
والموت إلى الدجاج سريع جدا، كما ذكر القدماء، ففي سنة 581 هجرية حل الوباء في الدجاج وكثر موت الفجأة بين الناس بأرض مصر، كما ذكر المقريزي في كتابه ( السلوك لمعرفة دول الملوك ).
وقبل ذلك التاريخ في سنة 567 هجرية، وهي السنة التي انقرضت فيها الدولة الفاطمية بمصر أيضا، عدم الدجاج من أرض مصر، فجلبه رجل من الشام، وباع كل فروج بمائة درهم، وكل بيضتين بدرهم.( المصدر السابق أيضا ).
وللمصريين ولع خاص بتربية الدجاج وتكثيره منذ القدم كما وصف ذلك المؤرخ عبد اللطيف البغدادي، ومن قبله، ذكر الجاحظ أن الدجاج بمصر يرعى كما يرعى الغنم، وللدجاج راع وقيم.
**********
ومن الأحاديث النبوية المتعلقة بالدجاج:
عن جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الأغنياء باتخاذ الغنم، والفقراء باتخاذ الدجاج.
وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: صرخ ديك عند النبي صلى الله عليه وسلم فسبه بعض أصحابه، فقال: لا تسبه فإنه يدعو إلى الصلاة.
وعن الحسن بن عمارة، عن عمرو بن مرَّة، وعن سالم بن أبي الجعد، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ مما خلق اللّه تعالى لَدِيكاً عُرْفُه تحتَ العرش وبَرَاثِنُهُ في الأرض السُّفلى، وجَناحاه في الهواءِ، فإذا ذهب ثُلثا الليل وبقي ثُلثُه ضربَ بجناحه ثم قال: سبِّحوا الملِكَ القُدُّوس، سُبُّوح قَدُّوس - أيْ أَنَّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ - فعند ذلك تضرِب الطَّيرُ بأجنحتها وتصيحُ الدِّيَكة.
ولهذا السبب شبهت مواقيت الديك عند الصياح بعمل الأسطرلاب.
ورُوي أنّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسافرون بالدِّيكة، ربما لهذا السبب أيضا.
**********
ومن طرائف الدجاج التي رواها الجاحظ، في كتابه الحيوان:
سئل أحدهم: كيف تعرف الدِّيك من الدجاجة إذا كان صغيراً حين يخرجُ من البيضة؟ فقال: يعلّق بمنقاره، فإنْ تحرَّكَ فهو ديك، وإن لم يتحرَّك فهو دجَاجة.
ومن نوادر الأعراب المتعلقة بالدجاج ما حكاه الجاحظ في هذه القصة المشوقة أيضا. وللجاحظ، كما هو معروف، فصول طريفة وممتعة عن عالم الحيوان في كتبه ورسائله المختلفة. وفيها يختلط الجد بالهزل، و تقترن المتعة بالفائدة:
قال أبو الحسن: حدَّثني أعرابيٌُّ كان ينزل بالبَصْرة قال: قدِم أعرابيٌّ من البادية فأَنزلته، وكان عندي دَجَاج كثير، ولي امرأةٌ وابنان وابنتان منها، فقلت لامرأتي: بَادِري واشوي لنا دَجَاجَة وقدِّميها إلينا نتغدَّاها.
فلمَّا حضر الغداء جلسنا جميعاً أنا وامرأتي وابناي وابنتاي والأعرابيّ.
قال: فدفعنا إليه الدَّجاجة فقلنا له: اقسمِها بيننا - نريد بذلك أنّ نضحك منه -.
فقال: لا أحسنُ القِسمة، فإن رضيتم بقسمَتي قسمْتُها بينكم.
قلنا: فإنَّا نرْضَى.
فأخذَ رأسَ الدَّجَاجة فقطعه فناوَلَنيِه وقال: الرَّأس للرّأس، وقَطَعَ الجناحين وقال: الجناحان للابنين، ثمَّ قطع السَّاقين فقال: السَّاقان للبنتين، ثمَّ قَطَعَ الزَمِكَّي وقال: العجُز للعجُوز، وقال: الَّزور للزائر.
قال: فأخَذَ الدَّجَاجة بأسْرها وسَخِر بنا.
قال: فلما كان من الغد قلتُ لامرأتي: اشوي لنا خَمْسَ دَجاجَاتٍ، فلما حضر الغداءُ، قلت: اقسم بيننا.
قَال: إنِّي أظنُّ أنّكم وجَدْتم في أنفسكم.
قلنا: لا لم نجد في أنفسنا فاقسِم، قَال: أقسِمُ شفعاً أو وِتراً.
قلنا: اقسِم وِتراً.
قالَ: أنت وامرأتك ودَجَاجة ثلاثة، ثمَّ رمى إلينا بدجاجة.
ثُمَّ قَالَ: وابناك ودجاجة ثلاثة، ثمّ رمى إليهما بدجاجة.
ثمَّ قال: وابنتاك ودجاجة ثلاثة، ثمّ رمى إليهما بدجاجة.
ثمَّ قَالَ: أنَا ودجاجتان ثلاَثَةً، وأخذ دجاجتين وسخِر بنا.
قَالَ: فرآنا ونحن ننظر إلى دجاجتيه فقال: ما تنظرون لعلَّكم كرهتم قسَمِتي الوِتر لا يجيء إلاَّ هكذا، فهل لكمْ في قِسمَة الشَّفع؟
قلنا: نعم، فضمَّهنَّ إليه، ثم قال: أنتَ وابناك ودجاجة أربعة، ورمى إلينا بدجَاجَة، ثمَّ قال: والعجوز وابنتاها ودجَاجة أربعة، ورمى إليهنَّ بدجَاجَةٍ.
ثمّ قالَ: أنَا وثلاث دَجَاجَات أربعة، وضمَّ إليه الثَّلاث، ورفَعَ يديه إلى السماء وقال: اللّهم لك الحمد، أنتَ فَهَّمتنيها.
———-
هامش:
(1) صياح الديك: معروف ، وصوت الدجاجة القوقأة، تقول هي تقوقئ. كأن هذه الكلمة حكاية لصوتها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق