كتب يوم الإثنين,شباط 27, 2006
الأغلبية الصامتة في كل البلاد العربية ظاهرة فريدة محيرة للعقول، ليس الآن فقط، وإنما في كل الأزمنة والأمكنة العربية.
وإذا تكلم أحدنا عن رأيه، ولا أقول عبَّر، فإنه يتكلم في حدود نوع من الصمت يُبقي في النفس أكثر مما يُظهر، ويُلمح أكثر مما يُصرح..
بين الإنسان العربي ونفسه دراما داخلية مريرة يشقى بحواراتها الداخلية وحده، في عتمة النفس، بين ضميره المتكلم وضمير الآخر الغائب الحاضر بين ثوبه وجسمه، بين ظفره ولحمه.
للحيطان آذان.. لا تشر بإصبعك، فربما قُطعت في الظلام الدامس…. عَلِّق سوطك حيث يراه أهلُك…عيب… حرام… ممنوع … قل ولا تقل …انظر واصمت وقل: ( لا حول ولا قوة إلا بالله )… آلاف اللاءات، وأكوام من المحاذير بحجم الجبال الشاهقات تجثم على قلوبنا المنكسرة، وتضغط على عظامنا الهشة…
زفير يَصعد بالكلام حتى يكاد يرتسم على الشفاه، وشهيق يَهبط به إلى مستقره حيث العدم على عجل، وكم من كلام يطوى بين الزفرات والشهقات، ولا تبقى منها إلا لوعة الحسرات…
كم مرة يقول لك أحدهم، على غفلة منك: ( أرى على شفتيك كلاما !! )، فتضطرب في الكلام، وتتيه بين دروب الأسباب والعلل، وقد يتورد عندها خدك من شدة الخوف أو الدهشة أو من شدة الخجل، وخاصة إذا كنت تدير في رأسك، ساعتها، موضوعا ساخنا، فتكتفي بقولك: لا!! لا شئ!!. بدأنا نخاف حتى على صمتنا أن تفضحه الجوارح والعيون.!!
يبقى الجانب الأهم والخطير في مسألة الأغلبية الصامتة، في تحديد الأرباح والمكاسب الكبيرة التي يجنيها بعض المنتفعين والمتنفذين من صمت الصامتين الخاسرين على الدوام.
أو ليس الصمت ذهبا وحكمة؟ أو ليس السكوت من علامات الرضى؟!! تقال هذه الجملة أوالحكمة أو القاعدة حتى للعروس عند الخطبة، مذعنة لسلطة الوصي. فحتى زواجها هي ما عاد يُعتد به إذا لم يجلب لغيرها مصلحة، وقس على ذلك بقية المصالح المعجلة والمؤجلة..
وفي الوقت الذي تزداد فيه نسبة المتعلمين والمثقفين داخل العالم العربي، تتسع دائرة الصمت أكثر فأكثر، بانضمام قسم كبير منهم إلى دائرة المنتفعين، وانحيازهم للعمل لصالح الحكام الفاسدين وأعوانهم. فيبقي طوق الصمت على حاله. والأدهى من ذاك كله أن يتجمل ذلك كله بغناء المغنين، ونظم الشعراء، وإطراء البلغاء والخطباء المجيدين، وكلام الصحفيين المأجورين … كل يتزلف ويتملق ويبالغ على قدر جهده وقريحته..
إن استبداد الأنظمة داخل بلداننا لا يختلف كثيرا عن استبداد الأحزاب. واستبداد الأحزاب لا يختلف في شئ عن استبداد الجماعات القبلية أو الدينية أو العرقية أو الطائفية، أو حتى استبداد الفرد الواحد، سواء أكان وزيرا أو رب معمل أو حتى مدير مكتب،أو أستاذا أو موظفا أو ربما زوجا أو زوجة، أو عما أو أخا، أو حتى طفلا يتغذى ويربو على طبائع الاستبداد المختلفة..
إن الذهنية الاستبدادية هي الذهنية الغالبة في الأوساط السياسية والاجتماعية والثقافية داخل بلداننا العربية بالنسبة للمستبِد الفاعِل، من جهة، وبالنسبة للمستبَد به الصامِت المغلوب على أمره الذي يقع عليه فعلُ الاستبداد، من جهة ثانية.
وربما يرجع ذلك إلى الإفراط المبالغ فيه، في استغلال المرجعيات الأيديولوجية الغربية والثقافية على اختلاف مشاربها وتطبيقها تطبيقيا سيئا يلغي الخصوصية الثقافية والمحلية، بالنسبة للأنظمة والأحزاب ذات التوجه الليبرالي أو الاشتراكي أو بالنسبة للأنظمة العسكرية التي جاءت عن طريق الانقلابات، أو حتى بالنسبة للأحزاب ذات التوجهات الدينية المعتدلة أو المتطرفة، ولبعض الدعاة الذين يحيطون أنفسهم بهالة مبالغ فيها من التبجيل والقداسة..
ويمكن أن نضيف إلى ذلك تخلف الوعي الديني لدى الأغلبية الصامتة الذي يضفي على الأنظمة والأحزاب والزعامات الفردية، كيفما كانت توجهاتها الأيديولوجية أو المذهبية أو الدينية طابع التبجيل والتقديس، فيجعل الخروج عنها كأنه نوع من الخروج عن مبدأ الجماعة الإسلامي السائد في كل البلاد العربية، حتى ولو كانت تلك الأنظمة، أو تلك الأحزاب، أو تلك الزعامات ضاربة في الفساد والاستبدادية…!!.
وفي هذا تتساوى صورة كل الحكام العرب، وجميع زعماء الأحزاب. فلكل واحد منهم نصيبه من التبجيل والتقديس، ولا يختلفون جميعهم إلا في المراسيم والطقوس، وكيفية تقديم فروض الطاعة والولاء..
والسؤال الثاني الذي قد يتبادر إلى الذهن أيضا، هو: هل سيتغير موقف الأغلبية الصامتة إذا تغيرت الأنظمة العربية، ولو جاء هذا التغيير من الخارج، كما حصل الآن في العراق، وكما يحاك الآن في الأفق لبعض الدول المثبتة على جدول خارطة الطريق الأمريكية للبلدان العربية في المشرق والمغرب على حد سواء، أو ما إذا قررت تلك الأنظمة من تلقاء نفسها أن تغير بعضا من سلوكها، أوأن تستجيب لبعض حاجات شعوبها، ولوكرها، وعلى مضض، وإلى حين، ليس اختيارا وطواعية وإستجابة لسلطة الحق والقانون، بل إذعانا لإملاءات خارجية، وانحناء للعواصف الأمريكية حتى تمر بسلام، وترحل نهائيا عن البلاد العربية، وبعدها يكون لكل حادث حديث؟؟!!.
إن القضية العراقية التي، هي الآن، رهينة بيد المحتل الأمريكي قد أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن وضع الأنظمة العربية مع شعوبها ذات الأغلبية الصامتة، وضع هش ومهترئ، وقابل للتداعي عند أول هزة كبيرة أو صغيرة. وهو وضع ملفق بأنواع الولاءات الواهية من جهة، ومدعوم بأشكال الإكراه والغصب من جهة ثانية، لا بأشكال الاستحقاق الديموقراطي المقنع للجميع.
ولكن خيبة الأغلبية الصامتة العربية قد أصبحت الآن مضاعفة عندما اجتمع عليها حصار الداخل والخارج، وبعدما صارت هذه الأغلبية المسكينة رهينة في يد أمريكا وفي يد الحكام العرب في نفس الوقت، فآل وضعها من جديد إلى اختيارين أحلاهما مر.
هذا مع العلم بأن تلك الأغلبية كانت بالنسبة لأمريكا بمثابة الشماعة أو حصان طروادة الذي استخدمته في العراق، لسحب البساط من تحت أقدام صدام حسين الذي لا زالت تحتفظ به كفزاعة. فطالما تبجحت أمريكا بأنها تقف إلى جانب الشعوب العربية، وكل ذلك منها بهتان ورياء، فلا فرق عندها بين حاكم أو محكوم، وفي سبيل مصلحتها تحرق الأخضر قبل اليابس.
وقد زادت محنة الأغلبية العربية الصامتة أكثر بسبب التبعات الخطيرة التي ترتبت عن مجيء أمريكا إلى بلاد العرب، ماديا بسب النزيف المستمر في صفوفها نتيجة القصف العشوائي وغير العشوائي، ولوقتها ولمالها ولجهدها بسب تعطل مصالحها، ومعنويا بسبب الإذلال السافر الذي تمارسه بالتعذيب والتنكيل، وبالانحياز السافر لأعداء الأمة الإسلامية من الصهاينة، وتوقيفها لكل خطط التسوية التي يمكن أن تضمن حق العرب والمسلمين في أرضهم ومالهم وعرضهم…
وأنأ أقرأ مدونات الاخوة والأخوات العرب أحس عمق المأساة التي تعيشها الأغلبية العربية الصامتة في جميع البلدان العربية على حد سواء، من خلال ما يبدونه من سخط وتذمر ويأس، ونقمة على تخاذل حكامنا وسوء أوضاعنا.
وربما يكون التدوين إحدى الوسائل المتاحة الآن في يد المواطن العربي البسيط لكي يكسر طوق الصمت، قبل أن تمتد إليها يد الرقيب، فتعطلها بالغلق، أو تختم عليها بالشمع الأحمر.
الأغلبية الصامتة في كل البلاد العربية ظاهرة فريدة محيرة للعقول، ليس الآن فقط، وإنما في كل الأزمنة والأمكنة العربية.
وإذا تكلم أحدنا عن رأيه، ولا أقول عبَّر، فإنه يتكلم في حدود نوع من الصمت يُبقي في النفس أكثر مما يُظهر، ويُلمح أكثر مما يُصرح..
بين الإنسان العربي ونفسه دراما داخلية مريرة يشقى بحواراتها الداخلية وحده، في عتمة النفس، بين ضميره المتكلم وضمير الآخر الغائب الحاضر بين ثوبه وجسمه، بين ظفره ولحمه.
للحيطان آذان.. لا تشر بإصبعك، فربما قُطعت في الظلام الدامس…. عَلِّق سوطك حيث يراه أهلُك…عيب… حرام… ممنوع … قل ولا تقل …انظر واصمت وقل: ( لا حول ولا قوة إلا بالله )… آلاف اللاءات، وأكوام من المحاذير بحجم الجبال الشاهقات تجثم على قلوبنا المنكسرة، وتضغط على عظامنا الهشة…
زفير يَصعد بالكلام حتى يكاد يرتسم على الشفاه، وشهيق يَهبط به إلى مستقره حيث العدم على عجل، وكم من كلام يطوى بين الزفرات والشهقات، ولا تبقى منها إلا لوعة الحسرات…
كم مرة يقول لك أحدهم، على غفلة منك: ( أرى على شفتيك كلاما !! )، فتضطرب في الكلام، وتتيه بين دروب الأسباب والعلل، وقد يتورد عندها خدك من شدة الخوف أو الدهشة أو من شدة الخجل، وخاصة إذا كنت تدير في رأسك، ساعتها، موضوعا ساخنا، فتكتفي بقولك: لا!! لا شئ!!. بدأنا نخاف حتى على صمتنا أن تفضحه الجوارح والعيون.!!
يبقى الجانب الأهم والخطير في مسألة الأغلبية الصامتة، في تحديد الأرباح والمكاسب الكبيرة التي يجنيها بعض المنتفعين والمتنفذين من صمت الصامتين الخاسرين على الدوام.
أو ليس الصمت ذهبا وحكمة؟ أو ليس السكوت من علامات الرضى؟!! تقال هذه الجملة أوالحكمة أو القاعدة حتى للعروس عند الخطبة، مذعنة لسلطة الوصي. فحتى زواجها هي ما عاد يُعتد به إذا لم يجلب لغيرها مصلحة، وقس على ذلك بقية المصالح المعجلة والمؤجلة..
وفي الوقت الذي تزداد فيه نسبة المتعلمين والمثقفين داخل العالم العربي، تتسع دائرة الصمت أكثر فأكثر، بانضمام قسم كبير منهم إلى دائرة المنتفعين، وانحيازهم للعمل لصالح الحكام الفاسدين وأعوانهم. فيبقي طوق الصمت على حاله. والأدهى من ذاك كله أن يتجمل ذلك كله بغناء المغنين، ونظم الشعراء، وإطراء البلغاء والخطباء المجيدين، وكلام الصحفيين المأجورين … كل يتزلف ويتملق ويبالغ على قدر جهده وقريحته..
إن استبداد الأنظمة داخل بلداننا لا يختلف كثيرا عن استبداد الأحزاب. واستبداد الأحزاب لا يختلف في شئ عن استبداد الجماعات القبلية أو الدينية أو العرقية أو الطائفية، أو حتى استبداد الفرد الواحد، سواء أكان وزيرا أو رب معمل أو حتى مدير مكتب،أو أستاذا أو موظفا أو ربما زوجا أو زوجة، أو عما أو أخا، أو حتى طفلا يتغذى ويربو على طبائع الاستبداد المختلفة..
إن الذهنية الاستبدادية هي الذهنية الغالبة في الأوساط السياسية والاجتماعية والثقافية داخل بلداننا العربية بالنسبة للمستبِد الفاعِل، من جهة، وبالنسبة للمستبَد به الصامِت المغلوب على أمره الذي يقع عليه فعلُ الاستبداد، من جهة ثانية.
وربما يرجع ذلك إلى الإفراط المبالغ فيه، في استغلال المرجعيات الأيديولوجية الغربية والثقافية على اختلاف مشاربها وتطبيقها تطبيقيا سيئا يلغي الخصوصية الثقافية والمحلية، بالنسبة للأنظمة والأحزاب ذات التوجه الليبرالي أو الاشتراكي أو بالنسبة للأنظمة العسكرية التي جاءت عن طريق الانقلابات، أو حتى بالنسبة للأحزاب ذات التوجهات الدينية المعتدلة أو المتطرفة، ولبعض الدعاة الذين يحيطون أنفسهم بهالة مبالغ فيها من التبجيل والقداسة..
ويمكن أن نضيف إلى ذلك تخلف الوعي الديني لدى الأغلبية الصامتة الذي يضفي على الأنظمة والأحزاب والزعامات الفردية، كيفما كانت توجهاتها الأيديولوجية أو المذهبية أو الدينية طابع التبجيل والتقديس، فيجعل الخروج عنها كأنه نوع من الخروج عن مبدأ الجماعة الإسلامي السائد في كل البلاد العربية، حتى ولو كانت تلك الأنظمة، أو تلك الأحزاب، أو تلك الزعامات ضاربة في الفساد والاستبدادية…!!.
وفي هذا تتساوى صورة كل الحكام العرب، وجميع زعماء الأحزاب. فلكل واحد منهم نصيبه من التبجيل والتقديس، ولا يختلفون جميعهم إلا في المراسيم والطقوس، وكيفية تقديم فروض الطاعة والولاء..
والسؤال الثاني الذي قد يتبادر إلى الذهن أيضا، هو: هل سيتغير موقف الأغلبية الصامتة إذا تغيرت الأنظمة العربية، ولو جاء هذا التغيير من الخارج، كما حصل الآن في العراق، وكما يحاك الآن في الأفق لبعض الدول المثبتة على جدول خارطة الطريق الأمريكية للبلدان العربية في المشرق والمغرب على حد سواء، أو ما إذا قررت تلك الأنظمة من تلقاء نفسها أن تغير بعضا من سلوكها، أوأن تستجيب لبعض حاجات شعوبها، ولوكرها، وعلى مضض، وإلى حين، ليس اختيارا وطواعية وإستجابة لسلطة الحق والقانون، بل إذعانا لإملاءات خارجية، وانحناء للعواصف الأمريكية حتى تمر بسلام، وترحل نهائيا عن البلاد العربية، وبعدها يكون لكل حادث حديث؟؟!!.
إن القضية العراقية التي، هي الآن، رهينة بيد المحتل الأمريكي قد أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن وضع الأنظمة العربية مع شعوبها ذات الأغلبية الصامتة، وضع هش ومهترئ، وقابل للتداعي عند أول هزة كبيرة أو صغيرة. وهو وضع ملفق بأنواع الولاءات الواهية من جهة، ومدعوم بأشكال الإكراه والغصب من جهة ثانية، لا بأشكال الاستحقاق الديموقراطي المقنع للجميع.
ولكن خيبة الأغلبية الصامتة العربية قد أصبحت الآن مضاعفة عندما اجتمع عليها حصار الداخل والخارج، وبعدما صارت هذه الأغلبية المسكينة رهينة في يد أمريكا وفي يد الحكام العرب في نفس الوقت، فآل وضعها من جديد إلى اختيارين أحلاهما مر.
هذا مع العلم بأن تلك الأغلبية كانت بالنسبة لأمريكا بمثابة الشماعة أو حصان طروادة الذي استخدمته في العراق، لسحب البساط من تحت أقدام صدام حسين الذي لا زالت تحتفظ به كفزاعة. فطالما تبجحت أمريكا بأنها تقف إلى جانب الشعوب العربية، وكل ذلك منها بهتان ورياء، فلا فرق عندها بين حاكم أو محكوم، وفي سبيل مصلحتها تحرق الأخضر قبل اليابس.
وقد زادت محنة الأغلبية العربية الصامتة أكثر بسبب التبعات الخطيرة التي ترتبت عن مجيء أمريكا إلى بلاد العرب، ماديا بسب النزيف المستمر في صفوفها نتيجة القصف العشوائي وغير العشوائي، ولوقتها ولمالها ولجهدها بسب تعطل مصالحها، ومعنويا بسبب الإذلال السافر الذي تمارسه بالتعذيب والتنكيل، وبالانحياز السافر لأعداء الأمة الإسلامية من الصهاينة، وتوقيفها لكل خطط التسوية التي يمكن أن تضمن حق العرب والمسلمين في أرضهم ومالهم وعرضهم…
وأنأ أقرأ مدونات الاخوة والأخوات العرب أحس عمق المأساة التي تعيشها الأغلبية العربية الصامتة في جميع البلدان العربية على حد سواء، من خلال ما يبدونه من سخط وتذمر ويأس، ونقمة على تخاذل حكامنا وسوء أوضاعنا.
وربما يكون التدوين إحدى الوسائل المتاحة الآن في يد المواطن العربي البسيط لكي يكسر طوق الصمت، قبل أن تمتد إليها يد الرقيب، فتعطلها بالغلق، أو تختم عليها بالشمع الأحمر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق