السبت، 9 فبراير 2008

الإنسان..ذلك الحيوان المقنع

كتب يوم الأربعاء,كانون الثاني 25, 2006

للإنسان مشاركة عجيبة للكون الفسيح في سائر طبائعه وخصائصه، ولذلك لم يجد الحكماء قديما أي حرج في وصف الكائن البشري ب (العالم الصغير سليل العالم الكبير)؛ لأن في طبعه وطباعه تجتمع كل المتفرقات والمتناثرات الكونية.

ومن أطرف وأمتع وأشمل ما قرأته في هذا الموضوع ما كتبه (إخوان الصفا) في رسائلهم. وكانت أفكارهم، في زمنهم محظورة، يتداولونها فيما بينهم أو مع مريديهم كسر من الأسرار…

وإليك عزيزي القارئ هاتين الفقرتين، تاركين لك مجال التفكير والتأمل، وكامل حقك في الرد والتعقيب:

1 ـــ الإنسان و خواص المعادن؛
الحب المغناطيسي:

( وأما حجر المغناطيس فهو عبرة لأولي الأبصار، والتفيكر في الأمور الطبيعية، وخواص أفعالها في بعض؛
وذلك أن بين الحجر والحديد مناسبة ومشاكلة في الطبيعة، كالمناسبة والمشاكلة التي بين العاشق والمعشوق، وذلك أن الحديد من شدة يبسه وصلابة جسمه وقهره للأجسام المعدنية والنباتية والحيوانية، يتحرك نحو هذا الحجر ويلتصق به ويلتزمه كالتزام العاشق المحب للمعشوق المحبوب المشتاق
).

2 ــ الإنسان وخواص الحيوان:
أقنعة حيوانية وكونية شتى:

( الحيوانات أنواع كثيرة ولكل منها خاصية دون غيره، والإنسان يشاركها كلها في خواصها. ولكن لها خاصيتين تعمانها كلها، وهما: طلبها المنافع، وفرارها من المضار.
ولكن، منها ما يطلب المنافع بالقهر والغلبة كالسباع، ومنها ما يطلب المنافع بالبصبصة كالكلب والسنور، ومنها ما يطلبها بالحيلة كالعنكبوت. وكل ذلك يوجد في الإنسان.
وذلك أن الملوك والسلاطين يطلبون المنافع بالغلبة، والمكدون(1) بالسؤال والتواضع، والصناع والتجار بالحيلة والرفق. وكلها تهرب من المضار والعدو. ولكن، بعضها يدفع العدوعن نفسه بالقتال والقهر والغلبة كالسباع، وبعضها بالفرار كالأرانب والظباء، وبعضها يدفع بالسلاح والجوشن(2) كالقنفذ والسلحفاة، وبعضها بالتحصن في الأرض كالفأر والهوام والحيات.
وهذه كلها توجد في الإنسان
).

3 ــ أيَّ قناع تختاره لنفسك..!!:

( وأما مشاركة الإنسان للكائنات في خواصها ، فاعلم ياأخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن لكل نوع من أنواع الحيوانات خاصية هي مطبوعة عليها. وكلها توجد في الإنسان.
وذلك أنه يكون شجاعا كالأسد، وجبانا كالأرانب، وسخيا كالديك، وبخيلا كالكلب، وعفيفا كالسمك، وفخورا كالغراب، ووحشيا كالنمر، وإنسيا كالحمام، ومحتالا كالثعلب، ومسالما كالغنم، وسريعا كالغزال، وبطيئا كالدب، وعزيزا كالفيل، وذليلا كالجمل، ولصا كالعقعق، وتائها كالطاووس، وهاديا كالقطاة، وضالا كالنعامة، وماهرا كالنحل، وشديدا كالتنين، ومهيبا كالعنكبوت، وحليما كالحمل، وكدودا كالثور، وشموسا كالبغل، وأخرس كالحوت، ومنطقيا كالهزار والببغاء، ومستحيلا كالذئب، ومباركا كالطيطوى، ومضرا كالفأر، وجهولا كالخنزير، ومشؤوما كالبوم، ونفاعا كالنحل.
وبالجملة ما من حيوان، ولا معادن ، ولا نبات ، ولا ركن، ولا فلك، ولا كوكب..، ولا موجود من الموجودات ولا خاصية إلا وهي توجد في الإنسان.
وهذه الأشياء التي ذكرناها لا توجد في شئ من أنواع الموجودات التي في هذا العالم إلا في الإنسان
).
ـــــــــــ
انتهى كلام إخوان الصفا، ولو امتد بهم الحديث إلى زمننا هذا لما استوعبوا أقنعة الآدميين الإنسية أوالوحشية وحتى الجنية، وربما تشكل لهم وعي آخر جديد ، مع احترامنا وتقديرنا لشمولية فكرتهم وإنسانيتها وتقمدمها في زمنها، أي القرن الهجري الرابع.

وكيف لا، وقد أصبحت عقول الأدميين اليوم موصولة على الشبكة ليل نهار، وعيون كاميراتهم تتطلع إلى أبعد نقطة في الكون، ومجساتهم السابحة في الفضاء والمبثوتة في كل مكان، ترسل وتلتقط الأصوات والصور حية وميتة، وأذرعا حديدية وأجساما وهياكل معدنية حاملة ومحمولة، ومحمول فيها وعليها، من فوق أو من تحت، و مدافع وقنابل وغازات.. … وكل ما اخترعه الإنسان إلى يومنا هذا، من الإبرة حتى الصاروخ، وكل ما ستشهده الأجيال غدا في علم الغيب كل ذلك موصول بجسم الإنسان وعقله، ليكون ألأسرع من كل وقت، والأبصر من كل وقت، وألأسمع من كل وقت، والأقوى وألأبطش والأدهى والأبلد والأجبن .. وهلم جرا.

وحدها إنسانية الإنسان تشقى بعقل الإنسان وتدبيره..
وحده الإنسان لن يتعلم أبدا من أخطائه، لأن علمه ناقص على الدوام، ولو بلغ عنان السماء، وحيزت له أملاك الكواكب والأجرام من كل نواحيها وأطرافها، وحده علم الحيوان كامل على الدوام شرط أن لا يتدخل فيه بمسخه أو نسخه أو تهجينه.
ورب نملة أعقل من بعض حكام وزعماء هذا العصر..!!
———
هامش:
(1) المكدون الفقراء ، من أكدى الرجل إذا افتقر.
(2) الجوشن: نوع من الدروع ، وظهر السلحفاة والقنفذ بمثابة الدرع لهما

ليست هناك تعليقات: