الجمعة، 8 فبراير 2008

حلم الهجرة العربية العربية

كتب يوم الخميس,كانون الثاني 05, 2006

تتملك المواطن العربي اليوم حسرة كبيرة، وهو يشعر بضيق المساحة التي يمكن أن يتحرك فيها داخل وطنه العربي الممتد شرقا وغربا، فقوانين التأشيرة، وأشكال الرقابة الجائرة في كثير من الأحيان، وإجراءات التفتيش، والتخوفات والشكوك والأوهام التي تحاك حوله بالليل والنهار، تعمق لديه الشعور بالغربة، وتجعله يشك في نفسه، قبل أن يشك فيه غيره.

كم أستاء وأنا أقرأ فصولا من رحلة ابن جبير، وهو يصف كل البلدان العربية التي تنقل عبرها، تماما كما يتنقل أي مواطن عربي اليوم داخل بلدته الصغيرة المحدودة، فيستبد بي حزن شديد لأني أتفقد وجوه إخواني العرب داخل مدينتي أو قريتي فلا أراها. وحده السائح الأجنبي بشعره الأصفر، ووجهه الأحمر، يمللأ عليك المشهد كله.

وقد تأثر ابن جبير بالإكرام البالغ والتعهد الكبير الذي أولاه حكام المشرق للمغاربة في زمانه، وخاصة في بلاد الشام.
وقد دفعه هذا الشعور الذي يفتقده أكثرنا اليوم إلى بعث همة المغاربة، وخاصة الشباب الذين تخففوا من التزاماتهم الأسرية، على الرحيل إلى المشرق، مغتنمين زهرة شبابهم في البناء والتحصيل، مفيدين ومستفيدين؛ قال ابن جبير:

( فمن شاء الفلاح من نشأة مغربنا فليرحل إلى هذه ـ البلاد ـ ويتغرب في طلب العلم فيجد الأمور المعينات كثيرة؛
فأولها فراغ البال من أمر المعيشة (1)، وهو أكبر الأعوان وأهمها، فإذا كانت الهمة فقد وجد سبيل الاجتهاد.
ولا عذر للمقصر إلا من يدين بالعجز والتسويف، فذلك من لا يتوجب الخطاب عليه، وإنما المخاطب كل ذي همة يحول طلب المعيشة بينه وبين مقصده في وطنه من الطلب العلمي.
فهذا المشرق بابه مفتوح لذلك، فادخل أيها المجتهد بسلام، وتغنم الفراغ والانفراد قبل علق الأهل والأولاد تقرع سن الندم على زمن التضييع، والله يوفق ويرشد، لا إله سواه.
قد نصحت أن ألفيت سامعا وناديت أن أسمعت مجيبا
).

وهذه دعوة ابن جبير، قد جعلها مفتوحة على كل الأزمنة والأمكنة العربية، ولكنها ضاعت الآن في واد سحيق من قصر النظر وفتور الهمة، فلم يبق منها إلا رجع الصدى.
———
هامش:
(1) ذكر ابن جبير ذلك لأن حكام المشرق كفلوا لضيوفهم المغاربة أمور المسكن والمطعم على أحسن وجه.

ليست هناك تعليقات: