الجمعة، 8 فبراير 2008

مملكة الخيال

كتب يوم الأربعاء,كانون الثاني 04, 2006

جاء في الأمثال العربية القديمة قولهم: ( أسرى من الخيال ). للدلالة على سرعته وسعته.
وتقول مجازا: طرقني الخيال، أوطيفه.
ومن أحسن من قال في طيف الخيال بالإضافة إلى البحتري علي بن هارون المنجم قال:

بأبي والله من طرقــــــــــا ــ كابتســـام البرق إذ خفقـــــا
زارني طيف الحبيب فمـــا ــ زاد أن أغرى بي الأرقــــــا


ولابن سينا الفيلسوف والطبيب بحث مهم في موضوع الخيال عند الإنسان، وحتى الحيوان .
و للأدباء الرومانسيين عامة صولات وجولات محلقة وحالمة في مملكة الخيال الفسيحة.
فقد بلغ الخيال بجبران خليل جبران، أحد الرومانسيين العرب المشهورين، حدا جعله يضيع في الضباب، ويصنع من أبخرة أحلامه الغريبة ( امرأة جميلة عذبة الصوت لينة الملامس )، بل جعل يشك في نفسه ويقول: ( أمجنون أنا ياترى ؟ أمجنون لم يكتف بالانصراف إلى العزلة بل ابتدع له من أشباح العزلة رفيقة وقرينة؟!).

ويقول من رسالة لمي زيادة، مبررا موقفه هذا:
( يقول بعض الناس إنني من الخياليين، وأنا لا أعرف ماذا يعنون بهذه الكلمة، ولكنني أعرف أنني لست بخيالي إلى درجة الكذب على نفسي، ولو حاولت الكذب على نفسي فنفسي لا تصدقني. النفس يامي لا ترى في الحياة إلا ما بها، ولا تؤمن إلا باختباراتها الخصوصية. وإذا ما اختبرت أمرا صار غصنا في شجرتها).

وقد لا يستطيع أحدنا اليوم أن يجارى أصحابنا الأدباء في خيالاتهم وجولاتهم الأثيرية الشفافة العذبة، في حمأة حياتنا الصاخبة ورغباتها الجارفة.

في زمننا هذا، زمن (العولمة) استبيحت مملكة النفس، واخترقت مدن الأحلام والخيالات الجميلة بقوة السلاح ودهاقنة الحروب وسماسرة الشعوب.

وقد مر معنا سابقا أن الصمت منام والكلام يقظة، وأنا أقول: كلما قل ضجيجنا زادت أحلامنا واتسعت خيالاتنا.
و لكن الناس ما عادوا كما كانوا، فلا الأطفال أطفال، ولا الرجال رجال، ولا النساء نساء. اختلط الحابل بالنابل، وصارت صورالآدميين مزورة الملامح، فاقعة الألوان.
صار الرجل لايرى من المرأة غير لون شعرها المستعار، وعدسة عينيها التي تتبدل ألوانها عند الليل والنهار، وفي كل جزء من جسمها بعض قطع الغيار
والفتاة ما عادت تتقبل الشاب الجلد الخشن، حتي يصير له في شعره قرون، وفي جسمه أقراط ووشوم،
وكبر الأطفال قبل الأوان، والتحقوا بصف النساء والرجال، واغتصبت طفولتهم، والتحقوا قسرا بصف الكبار، فأشكل أمر الإنسان على الإنسان.

ليست هناك تعليقات: