الجمعة، 8 فبراير 2008

نبات الخروع

كتب يوم الثلاثاء,كانون الثاني 03, 2006

مر معنا، سابقا، حديث الوهراني عندما أومأنا إلى عبثه وسخريته… فمن جذور الجد قد تتفتق السخرية، ومن أعماق المعقول قد ينبثق اللامعقول.

الآن، ونحن نشاهد ما يحصل من نهب للجسد العربي المستباح، وهصر لعظامه الرخوة حتى حل به الكساح، تذكرت صورة عجائبية أخرى من صور شيخنا الوهراني نقتبسها هذه المرة من منامه الكبير. وفي هذه الصورة يصف الوهراني قوما من بني جلدته لا ينفعون قومهم ألبتة، لا في شأن جليل ولا في شئ حقير، واستعار لهذه الصورة نبات (الخروع)، وهو نبات ينمو في الدمن، أي: المزابل. وهذا النبات شديد الخضرة ريان يانع، ولكنه رخو سريع الانكسار لامتلاء جوفه بالماء، حتى إن العرب استمدت منه فعل (خرع) للدلالة على الجبن والخور.
وفوق هذا فإنه لا ينفع في شئ، وحتى الدواب لا تأكله بل تعافه، وإنما هو فقط يملأ الأفق ويضيق المكان…

وقلت مع نفسي بعد أن استوعبت عبث شيخنا الوهراني:هل صرنا نحن ـ العرب ـ في نظر أمريكا والغرب كنبات الخروع الريان هذا، يسهل هصره واستحلابه، هل تلك الخضرة الزاهية هي التي صرفت أنظارهم كاملة إلينا؟!! حتى أصابتهم بعمى الألوان، وحتى صرنا شغلهم الشاغل عند كل نشرة أخبار صباحية أو مسائية، ؟؟!!
ثم قلت لنفسي: لا!! لا شك أنهم لا ينظرون إلى ما فوق الثرى، بل إلى ما تحته، إلى البترول الأسود الذي منه يتولد الدولار الأخضر والذهب الأصفر والعيش الأنضر.
هذا كل ما يغريهم باجتثاثنا، لولا قوة النمو المتأصلة فينا.
وحتى تكتمل هذه الصورة نورد الآن كلام شيخنا الوهراني من منامه الكبير الذي كتبه في الأصل على شكل رسالة، وحذا فيه حذو المعري في افتعال المشاهد الأخروية عند الحشر، قال، واصفا جما عة الصوفية عندما عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم، ساعة الحشر:

( فتقدمت إليه الصوفية من كل مكان، وعلى أيديهم الأمشاط وأخلة الأسنان، وقدموها بين يديه، فقال صلى الله عليه: من هؤلاء؟ فقيل له: قوم من أ متك غلب العجز والكسل على طباعهم، فتركوا المعايش وانقطعوا إلى المساجد، يأكلون وينامون، فقال: فبماذا كانوا ينفعون الناس، ويعينون بني آدم؟، فقيل له: والله ولا بشئ ألبتة، ولا كانوا إلا كمثل شجر الخروع في البستان، يشرب الماء، ويضيق المكان، فساق ولم يلتفت إليهم..).

ليست هناك تعليقات: