الثلاثاء، 12 فبراير 2008

حكومات تأكل أبناءها

كتب يوم السبت,تموز 15, 2006

لماذا تأكل حكوماتنا العربية أبناءها وتقدمهم بسخاء حاتمي، وعلى طبق من ذهب إلى أعدائها الألداء؟؟ !!، لماذا تمكن داء العقوق من حكوماتنا الموقرة تجاه أبنائها الذين ما استشعروا دفء أمومتها وحنانها في يوم من الأيام كبقية حكومات العالم التي تضع أبناءها في عيونها بين جفن ورمش وتختم عليهم بالكحل، وهي في سبيل واحد منهم فقط يمكن أن تبيد العالم أجمع …. ؟؟!!.

ما أهون المواطنين العرب على حكوماتهم، وهي مستعدة في كل وقت أن تبيعهم لأعدائها بالجملة وبالمجان، وهاهي بعض حكوماتنا الموقرة اليوم لم تكتف بالبيع المجاني العبثي بل أعلنت براءتها من مواطنيها الشرفاء الأحرار الذين يقفون على خط النار في فلسطين ولبنان والعراق طلبا لصك الغفران لدى بيوت العدو الملونة بالأبيض والأصفر والأحمر …!! فأي عذر يقبل لهؤلاء الحكام المتخاذلين عند الحرب وساعة الحسم…؟؟!!

ومهما يكن من أمر هؤلاء المواطنين ومن أمر عقوقهم المضاد فهم أولى من الغرباء والأباعد، ولو كانوا أصدقاء فكيف وهم ألد الأعداء، فيدك منك وأن كانت شلاء، كما قالت العرب قديما في أمثالها.

قد أعتذر عن هذا المثل الذي قد لا يتناسب وواقع الحال …. فمن يصدق أن اليد الشلاء يمكن أن تأسر عدوا، أو تغرق بارجة من بوارجه، أو تصيبه بالقذائف والصواريخ في عقر بيته الذي احتله عنوة وغصبه على أهله وناسه، … ربما احتجنا إلى تصحيح هذا المثل؛ فالأولى أن نقول إن حكوماتنا الأم هي التي أصيبت بالشلل و الهرم والغباء والبوار والخبل …!!

ما أشد حرقة الأسئلة التي تدور برأسي هذه الأيام الصيفية الممطرة بعناقيد الغضب الأمريكي والصهيوني على رؤوس مواطنينا الأبرياء في ديار العروبة والإسلام، وخاصة في فلسطين ولبنان والعراق…

وحرقة الأسئلة تلك تكاد تشل حركتي وتصيبني بتقرح معدي وفكري وهذيان عُصابي كلما تتبعت نشرة الأمطار والعواصف الحربية الأمريكية والصهيونية العنترية على ديار العرب والمسلمين.

وكلما هممت بنقر بعض الكلمات العابرات على شاشة الحاسوب تبددت أفكاري من حولي، ولم ترتسم أمام مخيلتي إلا بقع من دم ضحايانا العرب والمسلمين، و رماد الحرب، وغبار الخراب والدمار المتناثر على مدار الساعة على أرضنا بفعل مخطط مرصود ومحسوب من عدو غاشم لا زال حكامنا يهربون منا إليه، ويقدمون له الذرائع تلو الذرائع لمزيد من عمليات الإبادة والاستئصال …

ولم أجد في هذا الظرف العسير والموقف الحاسم أبلغ من هذه الحكاية التراثية التي أسوقها لكم، وربما كانت تفاصيلها الرمزية أبلغ من كلامي ومن نشرات كل الأخبار العربية في اختزال تفاصيل كامل حكايتنا اليوم مع حكامنا:

بلغنا عن بعض الحكايات أن الملك الضحاك كان من أحسن الناس سيرة وأصفاهم سريرة، قد فاق الناس فضلاً وبلغ ذكره الآفاق عدلا، فتزيى له إبليس في صورة الدهاء والتلبيس فزعم أنه طباخ. وصار كل يوم يهيئ له من أطيب الأطعمة ولذيذ الأغذية ما يعجز عنه غيره، ولا يقدر أحد أن يسير سيره. ولم يأخذ على ذلك جراية فبلغت مرتبته عنده النهاية. واستمر على ذلك مدة مديدة وأياماً عديدة والناس تكره أن تخدم رؤساء الأعيان بغير أجرة، خصوصاً في هذا الزمان.
فقال له الملك في بعض الأيام: لقد أوجبت علينا يدا وشكراً وما سألتنا على ذلك أجراً فاقترح ما تختار أن أكافئك به.
فقال: تمنيت عليك أن أقبل بين كتفيك، فأني أرغب أن يقال عني: ( قبَّل بدن الضحاك!! ).
فأعجبه ذلك وأجابه، وحسر عن بدنه ثيابه، وأدار ظهره إليه. فأقبل حتى قبل لوحي كتفيه ثم غاب عن عينيه ولم يقف على أثره.

وبمجرد ما لثمه ومس فمَه جسمه أخذته حكة ثم خرج من موضع فيه كيتان أو قرحتان كحيتين تلدغانه شر لدغ. فصار يستغيث ولا مغيث. فطلب الأطباء فأعياهم هذا الداء.

وكان لا يقر له قرار، ولا يأخذه سكون ولا اصطبار إلا بدماغ الإنسان دون سائر الحيوان يلقيه إلى الحيتين ويعالج به الكيتين أو الحرقتين الملتهبتين. ولأجل الأدمغة استعمل القتل والسفك فمد يد الفتك إلى رعيته.

فضجر الناس لهذا البأس وصاحوا وناحوا وتناظروا وتشاوروا إلى أن وقع الاتفاق بعد الشقاق على الاقتراع لدفع النزاع؛ فمن خرجت قُرعته كُسرت قَرعَته وأُخذ دماغُه وحصل لغيره نجاته لبعض الحين والوقت….

وفي بعض الأدوار خرجت القُرعة على ثلاثة أنفار فربطوا بالأغلال ودفعوا إلى الشكال ( القيد) ليجري عليهم ما جرى على الأمثال، فبينما هم في الحبس بين طالع نحس وعكس وقف للضحاك امرأة وضيعة. واستغاثت به في هذه القضية. فأدناها وسأل ما دهاها، فقالت: ثلاثة أنفار من دار لا صبر لي عنهم ولا قرار، وحاشى عدل السلطان أن يرضى بهذا العدوان: ولدي كبدي، وأخي عضدي، وزوجي معتمدي. وكلٌ مسجونٌ يُسقي كأسَ المَنون.

فرق لها الضحاك وقال: لا يعمهم الهلاك…، فاذهبي يا مُغاثة واختاري واحدا من الثلاثة، وجهزها إلى الحبس ليقع اختيارها على من يدفع اللبس.

فتصدى لها الزوج وتمنى الخلاص من ذلك البأس. فتذكرت ما مضى من عيشها معه وانقضى، واستحضرت طيب اللذات والأوقات المستلذات. فأتت إليه ومالت عليه فتحركت الأنفس الإنسانية والشهوة الحيوانية، فهمت بطلبه وتعلقت بسببه فوقع بصرها على ولدها فلذة كبدها فرأت صباحة خده ورشاقة قده فتذكرت طفولته وصباه وتربيتها إياه وحمله وإرضاعه وتناغيه وأوضاعه، فعطفت عليه جوارحها ومالت إليه جوانحها فقصدت أن تختاره وتريح أفكاره فلمحت أخاها باكيا مطرقا عانيا قد أيس من نفسه وتيقن الإقامة بحبسه لأنه يعلم أنها لا تترك زوجها وابنها ولا تختاره عليهما ولا تميل إلا إليهما.
ففكرت طويلا واستعملت الرأي الصائب دليلا ثم أداها الفكر الدقيق وأرشدها التوفيق وقالت: أختار أخي الشقيق.

فبلغ الضحاك ما كان من أمرها واختيارها لأخيها بفكرها فدعاها وسألها عن سبب اختيارها أخاها وقال: إن أتت بجواب صواب وهبتها إياهم مع زيادة الثواب، وإن لم تأت بفائدة قاطعة وعائدة في الجواب نافعة كانت في قتلهم الرابعة فقالت: اعلم واسلم إني ذكرت زوجي وطيب عشرته وأوقات معانقته ولذته وما مضى معه من حسن العيش وانقضى من خفة الأحلام والطيش فملت إليه وعولت في الطلب عليه ثم أبصرت ابني فتذكرت مقامه في بطني وما مضى عليه من عاطفة وشفقة عامة في الأيام السالفة فهيمني حبه القديم وشكله القويم فملت إلى اختياره وخلاصه من بواره، ثم لمحت أخي المتقدم عليهما فقست مقامه بالنظر إليهما فقلت إني امرأة مرغوبة قَيْنة ( صاحبة صنعة ) عاقلة مطلوبة؛ إن راح زوجي فعنه بدل، وإن حصل الزوج وُجد الولد وحصل، فتهيأ الغرض ووُجِد عنهما العِوض، وأما الأخ الشقيق فما عنه عوض في التحقيق لأن أبوينا ماتا وفاتا وصارا تحت الأرض رفاتا فهذا الذي أدى إليه افتكاري ووقع عليه اختياري وأنشد لسان الحال فيما قال الشاعر
وكم أبصرت من حسن ولكن
عليك من الورى وقع اختياري
…….
فما رأيكم ياإخوان في هذه الحكاية؟؟!! ألا ينطبق موضع الحرقتين أو الكيتين من كتفي الضحاك في الحكاية الخرافية على الموضع الذي تحتله أمريكا وإسرائيل الصهيونية من أرض العرب والمسلمين وجسمهم وعرضهم؟؟!!. ألا يحترق عالمنا بسببهما؟؟!! ألا يدفع كل واحد منا الثمن غاليا، إن لم يكن من حر ماله وعرضه فأقل شيء يكون على حساب راحته وعقله ؟؟!!
——–
هامش :
الحكاية مقتبسة بتصرف شديد عن كتاب ( فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء ) لابن عربشاه، عاش إلى حدود منتصف القرن الهجري التاسع.

ليست هناك تعليقات: