السبت، 9 فبراير 2008

قلبه علي، وقلبي من حجر

كتب يوم الإثنين,شباط 13, 2006

يروج في هذه الأيام كثير من الكلام عن الحب والقلوب بمناسبة عيد الحب، أو ما يعرف بعيد (الفالنتاين).
ومع أني لا أحبذ فكرة أن تكون مشاعر الإنسان في الحب، وهي أسمى ما يمكن أن يمنحه أحدنا لحبيبه ولزوجه ولقريبه، ولسائر البشر، بل وحتى للجماد والحيوان والشجر، محصورة بأعداد رقمية في يوم واحد أو في سبعة أيام، أو في شهر، أو حتى في سنة، غير أن لاتفاق الناس على الحب ولو في أيام قليلة من هذا الشهر فوائد، لعموم المصلحة والمنفعة بين المتحابين من جهة، ولتجارالورود والمتاجرين بالقلوب الحمراء المصنعة من اللدائن، وكل إكسسوارات الحب المختلفة من جهة ثانية. هؤلاء التجار، تجار القلوب المصنعة يتطلعون في كل عام إلى تحقيق مزيد من المبيعات والأرباح، ويسعون باستمرار إلى تطوير صناعتهم تلك لجذب وإغراء أكبر عدد ممكن من الزبائن، وخاصة في هذا العام الذي تفرقت فيه أودية الحب بالناس شرقا وغربا، شمالا وجنوبا.

وللحب معادلات حسابية أعقد من حساب الجبر والهندسة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بحب الزعماء والساسة ومن وراءهم من المضاربين والمراهنين والمزايدين والمنتفعين.

وحقا، حاولت جاهدا أن أمرن نفسي على حل بعض تلك المعادلات الحسابية والمنطقية السياسية الصعبة؛ من قبيل: حبيب حبيبي حبيبي، عدو حبيبي عدوي، حبيب عدوي عدوي، عدو عدوي حبيبي … فتهت في المعادلة حتى وجدتني أعود إلى نقطة البداية، مستسلما يائسا. فأنا أعلم أن بضاعتي في العد والحساب قليلة، وحتى بقال الحي يعرف ذلك، فلذلك أعفي نفسي دائما من مراجعة فاتورة الحساب معه. ربما لأن ثقتي بمهارته في الحساب الذهني أكبر من بعض آلات الحساب المضروبة أو التي أصابها خلل في الذاكرة، مثل عدد كبير من ساسة وزعماء عالمنا اليوم.

فعندما أعلن بوتن - زعيم روسيا- موقفه الأخير الإيجابي من حماس احتكاما إلى سلطة الديموقراطية الفلسطينية الناجحة وليس إلى سياسة سلطتها الفاسدة، مع دعوته المعلنة لقادتها بزيارة مرتقبة وشيكة إلى روسيا، صدم كل العالم المتأمرك المتصهين، واشتعلت نار الحقد في قلب إسرائيل معشوقة أمريكا حتى النخاع حتى كادت تخرجهما عن عقلهما، (فمن الكره ما قتل!)(1) . واعتبرتا ذلك تلونا وغدرا وطعنا في الظهر، وانحرافا عن الخط السياسي والاستراتيجي الذي رسمتاه في أذهانهما.

فأمريكا لم تكتف بوضع خرائط الطرق والبلقنة السياسية في الشرق الأوسط وفرضها بقوة النار والسلاح على واقع الأرض العربية حيلة أو استغفالا أو غصبا، بل هاهي ذي تعبد طرق الحب والكره على ساحة قلوب الناس في العالم أجمع حكاما وشعوبا. وتعلمهم دروس الحب الأمريكي بمعادلاته المنطقية والحسابية التي قد تتساوى فيها نتائج الضرب والطرح والقسمة.

وإذا أخفقت بعض حساباتها، أو جاءت بنتائج غير متوقعة من جانب كافة أجهزة الرصد لديها أقامت الدنيا من حولها ولم تقعدها، وهددت وأرعدت وأزبدت شأن المقامرين الخاسرين الذين يقلبون الطاولة على أصحابها جنونا وهستيرية، ثم لوحت عند انتهاء كل لعبة، وكما عودتنا دائما بطرح آخر ورقة لديها، وهي ورقة الحصار والتجويع والمقاطعة والمصادرة.

لم يُثرني موقف بوتن السابق لأنه، وكما يبدو، قد مل لعبة الحب الأمريكية المغشوشة، وخاف على قلبه عواقب التلونات السياسية الزائفة، وإن فسر ذلك بنوع من الحنين إلى إعادة مجد روسيا الغابر، بقدرما أثارني صمت كثير من الحكام العرب، الذين يفضلون هذه الأيام، وحتى عند الحديث عن الحب وما جاوره إمساك العصا من المنتصف إيثارا للسلامة، وكل على شاكلته، وبحسب طريقته.

لذلك لم يكن نجاح حماس اختبارا لحسابات عقول حكامنا القريبة والبعيدة القائمة في معظمها على مصالح أمريكا، بل اختبارا لنبضات قلوبهم التي ربما عملوا على ضبطها وكتمها حتى لا يقوى جهاز كشف الكذب الأمريكي على فضحها.

هناك نوع من الحب الوسط أشبه ما يكون ب لا حب ولا كره، وقد أطلقت عليه العرب اسم المَذْق؛ وهو نوع من الحب المغشوش الممزوج بالكره والخديعة، فيقال: فلان يَمْذِقُ الحب أي لا يُخْلِصه، ولبن مَمْذُوق: إذا كان مغشوشا وممزوجا بالماء.

وهو أقبح أنواع الحب ، ومنه يخاف العاشقون، لأنه مشبوه وغير واضح لديهم كاللون الرمادي لا هو بأبيض و لا هو بأسود. وهذا تماما حال بعض حكامنا المتذبذب من حماس.

وقد حذر أسلافنا القدماء من هذا النوع الغامض المحير من الحب، فقال في ذلك الشاعر (الجاهلي ) الممزق العبدي، وأعلنها بمنتهى الوضوح والصراحة:

فإما أن تكون أخي بحـق
فأعرف منك غَثِّي من سميني
وإلا فاطَِّرحني واتخذنــي
عدوا أتقيك وتتقينــــــــــــــــي
وإني لو تُعاندني شِمالــي
عنادك ما وصَلت بها يمينــــي
إذا لقطعتها ولقلت بِينــي
كذلك أجْتوي كل من يَجْتوينـي
———-
هامش:
راجع إدراجاتنا السابقة عن هذا الموضوع مثل: ( معركة حب واستبداد) و (كلمات في الحب والعشق).

ليست هناك تعليقات: