السبت، 9 فبراير 2008

حديث العميان 2

كتب يوم الثلاثاء,شباط 14, 2006

توقد الذكاء عند العميان:
قال الصفدي في تفسير ذلك:
والسبب الذي أراه في ذلك، أن ذهن الأعمى وفكره يجتمع عليه، ولا يعود متشعباً بما يراه، ونحن نرى الإنسان إذا أراد أن يتذكر شيئاً نسيه، أغمض عينيه وفكر، فيقع على ما شرد من حافظته.

ومن عجيب حكايات العميان التي شاهدها أو رواها عنهم في عصره بالديار المصرية والشامية خلال القرن الهجري الثامن، قال:

وأخبرني الشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري المعروف بابن الأكفاني، قال: كان بالديار المصرية ضرير سماه لي وأنسيته.. يقرئ الطلبة كتاب أقليدس ويضع أشكاله لهم بالشمع، وهذا من أغرب ما يكون.
وأخبرني من لفظه أيضاً الشيخ الإمام أقضى القضاة شرف الدين أبو العباس أحمد بن القاضي الإمام المقرئ الشيخ شهاب الدين الحسين ابن سليمان الكفري الحنفي، قال: ذكر لي والدي أنه كان في القليجية بواب يعرف بممدود أعمى، وأنه كان يخيط القماش ويضع الخيط في الإبرة في فمه، وينجم جيداً، ويضع الجاخ على الجاخ عند الخياطة.
قلت: أما إدخال الخيط في الإبرة، فقد رأيت أنا أعمى وعمياء كانا في صفد وكانا يضعان الإبرة في فمهما ويدخلان الخيط في خرت الإبرة. وأما التنجيم فأمر يهون لأنه مغدوق بالحساب، فيمكن ضبطه. وأما وضع الجاخ على الجاخ فهذا أمر يبهر العقل.
وحكى لي الشيخ يحيى بن محمد الخباز الحموي، قال: كان عندنا في حماة أعمى يعرف بنجم. يلعب بالحمام ويصيد الطير الغريب، فاستبعدت صيد الطائر الغريب، فسألته عن ذلك، فقال: إن طيوري أبخرها ببخور أعرفه وأطيرها، فإذا طارت ونزلت ومعها الطير الغريب هدرت حوله فاعرف أن معها غريباً، فأرمي السب على الجميع، وآخذها واحداً بعد واحد فأشمه. فالذي فيه شيء من بخوري أعرف أنه غريب فأصطاده.

وأما أنا فقد رأيت في الديار المصرية إنساناً يعرف بعلاء الدين بن قيدان أعمى. وهو عالية في الشطرنج يلعب ويتحدث وينشد الشعر ويتوجه إلى بيت الخلاء ويعود إلى اللعب ولا يتغير عليه نقل شيء من القطع. وهذا معروف يعرفه أصحابنا في القاهرة.

وكان عندنا في صفد شخص أعمى، يعرف بشمس كان يستقى من البئر ويملأ بحق كبير ويتوجه بذلك إلى بيوت الناس وزبوناته وهو مع كل ذلك بغير عصاً. ورأيته يوماً هو وزوجةً له متوجهين إلى حمام عين الزيتون، وفي الطريق عقبة تعرف بعقبة عين الورد، وتحتها واد وقد أخذ بيد زوجته، وهو يقول لها تعالي إلى هنا لا تتطرفي تقعي في الوادي، والله تعالى أعلم.

من شعر العميان:
قال الخريمي ، وكان أعمى، متحدثا عن مأساته:

أسعى إلى قائدي ليخبرنــــي
إذا التقينا عمن يحيينــــــــــي
أريد أن أعدل الســـــلام وأن
أفصل بين الشريـف والدون
أسمع ما لا أرى فأكـــــره أن
أخطئ والسمع غير مأمــون
لله عيني التي فجعت بهــــــــا
لو أن دهرا بها يواتينــــــــي
لو كنت خيرت ما أخذت بهـا
تعمير نوح في ملك قـــارون

وقال أبو علي البصير، مستعيضا عن عماه بنور فهمه وبصيرته :

لئن كان يهديني الغلام لوجهتـــــي
ويقتادني في السير إذ أنا راكـب
فقد يستضئ القوم بي في أمورهم
ويخبو ضياء العين والرأي ثاقب

و مما نسب إلى المعري قوله، معلقا على هذا الموضوع وساخرا :

قالوا العمى منظر قبيــــــح
قلت بفقدانكم يهـــــــــــــــــون
والله ما في الوجود شــيء
تأسى على فقده العيــــــــــون

وقال مفتخرا :

سواد العين زاد سواد قلبـــــي
ليتفقا على فهم الأمـــور

حب عمياء:
قال ابن قزل في حب عمياء:

قالوا تعشقها عمياء قلت لــــــــــــهم
ما شانها ذاك في عيني ولا قدحــــــا
بل زاد وجدي فيها أنها أبــــــــــــــدا
لا تعرف الشيب في فودي إذ وضحا
إن يجرح السيف مسلولا فلا عجب
وإنما أعجب لسيف مغمد جرحـــــــا
كأنما هي بستان خلوت بــــــــــــــه
ونام ناطوره سكران قد طفحـــــــــا
تفتح الورد فيه من كمائمـــــــــــــــه
والنرجس الغض فيه بعد ما افتتحــا
———-
هامش:
مقتبس بتصرف عن: ( نكث الهميان في نكت العميان ) لخليل الدين بن أيبك الصفدي، وقد ألفه في منتصف القرن الهجري الثامن.

ليست هناك تعليقات: