السبت، 9 فبراير 2008

استعداء الغرب على المسلمين بالرسم قديم

كتب يوم الأحد,شباط 05, 2006

لازالت أصداء الرسوم الساخرة من شخص الرسول الكريم تتفاعل، وتلقي كل يوم بمزيد من الظلال والغيوم الكثيفة على طبيعة العلاقات المتوترة أصلا بين الشرق والغرب، ولتزرع مزيدا من الألغام في أي طريق يمكن أن يؤدي إلى التهدئة أو الحوار أو التسوية.

ومما يزيد الطين بلة إصرار الغرب وعناده وتغليبه لمبدأ حرية الرأي لصالح حفنة من رسامي الكاريكاتور الساخر المستفز على حساب مشاعر أمة كاملة. وهو إلى حد الساعة لم يتراجع عن مواقفه قيد أنملة، ويبخل حتى بتقديم عذر مقبول يمكن أن يطفئ نار الغضب المتأججة في صدور الملايين من شعوب الإسلام.

غير أن الحقيقة التي ربما غابت عن بعضنا اليوم هي أن استعداء الغرب الصليبي في حربه على أمة الإسلام بفن الرسم والتصوير أمر قديم، وخاصة خلال تلك الفترات التاريخية التي كان يحسم فيها صراع الشرق والغرب لصالح المسلمين، عندما تنهض همتهم من سباتها العميق، وعندما يرزقون بالقادة والزعماء المخلصين الذين يؤثرون كرامة أمتهم وعزتها عن أن ينزلقوا بخذلانهم واستبدادهم إلى درك الخزي والمذلة، كما حصل سنة 583 هجرية عندما تمكن المسلمون من استرجاع وانتزاع بيت المقدس من يد الصليبيين المحتلين الغاصبين عقب معارك حطين المظفرة عندما اتحدت إرادتهم مع إرادة حاكميهم بصدق.

وبعد تلك المعركة الحاسمة في تاريخ المسلمين، حاول الصليبيون استنهاض قوتهم من جديد لتدارك الهزيمة دون جدوى، فنكبوا عن طريق الحق إلى طريق الحيلة والمكر، وعولوا على رسومهم ومنمنماتهم التي هي جزء من ديانتهم، فزخرفوا الحق بأصباغ الهوى والضلال، وزيفوه بألوان النفاق والافتراء، تبريرا لفشلهم وتغريرا بعامة الأوربيين لجرهم من وراء البحار إلى مزيد من حروب الدمار والاستنزاف.

لكن الصليبين في الغرب لم يجنوا من وراء كل ذلك غير خيبتهم الأخلاقية والسياسية في تاريخ علاقتهم مع العرب والمسلمين في الشرق الذي لا يزالوا ينهبونه ويهينونه.

وهذا طرف من ذلك الاستعداء الغربي القديم عن طريق فن الرسم والتصوير، كما سجله القاضي ابن شداد في كتابه ( النوادر السلطانية ). وهو كتاب وضعه في سيرة السلطان صلاح الدين الأيوبي، إعجابا وتقديرا لجهوده العظيمة المخلصة وليس تزلفا أو نفاقا، و لأنه أراد أن يجعل من سيرة هذا الزعيم حجة على كافة ملوك وزعماء العرب والمسلمين أنى كانوا وحيثما وجدوا.

قال ابن شداد في فصل تحدث فيه عن ملك الألمان، وحيلة الرسم التي عملها ( المركيس ) صاحب صور:

( ولما استقر قدم ملك الألمان في أنطاكية أخذها من صاحبها وحكم فيها، وكان بين يديه فيها ينفذ أوامره، فأخذها منه غيلة وخديعة وأودعها خزائنه وسار عنها في الخامس والعشرين من رجب متوجها نحو عكا في جيوشه وجموعه على طريق اللاذقية حتى إلى طرابلس، وكان قد سار إليه من معسكر الإفرنج يلتقيه المركيس صاحب صور،

وكان من أعظمهم حيلة وأشدهم بأساً، وهو الأصل في تهييج الجموع من وراء البحر. وذلك أنه صوّر القدس في ورقة، وصوّر فيه صورة القمامة التي يحجون إليها ويعظمون شأنها وفيه قبة قبر المسيح الذي دفن فيه بعد صلبه بزعمهم، وذلك القبر هو أصل حجهم، وهو الذي يعتقدون نزول النور عليه في كل سنة في كل عيد من أعيادهم، وصوّر على القبر فرساً عليه فارس مسلم راكب عليه وقد وطئ قبر المسيح وبال الفرس على القبر وأبدى هذه الصورة وراء البحر في الأسواق والمجامع والقسوس يحملونها ورؤوسهم مكشوفة وعليهم المسوح وينادون بالويل والثبور، وللصور عمل في قلوبهم، فإنها أصل دينهم،

فهاج بذلك خلق لا يحصي عددهم إلا الله، وكان من جملتهم ملك الألمان وجنوده فلقيهم المركيس لكونه أصلا في استدعائهم إلى هذه الواقعة، فلما اتصل به قوى قلبه ونصره بالطرق وسلك به الساحل خوفاً من أنه إذا أتى على بلاد حلب وحماة ثار لهم المسلمون من كل جانب وقامت عليهم كلمة الحق من كل صوب. ومع ذلك لم يسلموا من شن الغارات عليهم فإن الملك المظفر قصدهم بعساكره وجمع لهم جموعاً وهجم عليهم هجوماً عظيماً أخذ فيه من أطراف عساكره، وكان قد لحقهم بأوائل عسكره، ولو لحقهم الملك الظاهر بعساكره لقضى عليهم، ولكن لكل أجل كتاب، واختلف حزر الناس لهم. ولقد وقفت على كتب بعض المخبرين بالحرب فقد حزر فارسهم وراجلهم بخمسة آلاف بعد أن كانوا قد خرجوا على ما ذكر، فانظر إلى صنع الله مع أعدائه. ولقد وقفت على بعض الكتب فذكر فيه أنهم لما ساروا من اللاذقية يريدون جبلة وجدوا في أعقابهم نيفاً وستين فرساً قد عطبت وانتزع لحمها ولم يبق فيها إلا العظام من شدة الجوع، ولم يزالوا سائرين وأيدي المسلمين تخطفهم من حولهم نهباً وقتلاً وأسرا، حتى أتوا طرابلس، ووصل خبر وصوله بكرة الثلاثاء ثامن شعبان سنة ست وثمانين وخمسمائة، هذا والسلطان ثابت الجأش راسخ القدم لا يرده ذلك عن حراسة عكا والحماية لها ومراصدة العسكر النازل بها وشن الغارات عليها والهجوم عليهم في كل وقت، مفوضا أمره إلى الله معتمداً عليه منبسط الوجه لقضاء حوائج الناس مواصلاً يسره من يفد إليه من الفقراء والفقهاء والمشايخ والأدباء. ولقد كنت إذا بلغني هذا الخبر تأثرت حتى دخلت عليه وأجد منه من قوة الله وشدة البأس ما يشرح صدري وأتيقن معه نصرة الإسلام وأهله
.
——–
هامش:
النص مقتطف من كتاب ( النوادر السلطانية في المحاسن اليوسفية ) لبهاء الدين بن شداد. ص 137 وما بعدها، تحقيق جمال الدين الشيال، الدار المصرية للتأليف والنشر، 1964

ليست هناك تعليقات: