الجمعة، 8 فبراير 2008

عبث وسخرية

كتب يوم السبت,كانون الأول 31, 2005

الشيخ ركن الدين الوهراني أحد رجالات الأدب المغربي المنسيين. وكان قد رحل إلى المشرق خلال القرن الهجري السادس. غير أنه أخفق في رحلته هاته وبقي يعيش على هامش الحياة، وتسكع زمنا قبل أن ينتبه بعضهم إلى علمه وفقهه.
ويظهر أن مغربيته الصريحة التي ظل ينوه بها في رسائله حالت بينه وبين إقامة علاقات سوية مع رجالات المشرق، وهذا بخلاف معاصره ابن جبير الرحالة الأندلسي المشهور الذي عرف بدبلوماسيته وحسن مداخلته للمشارقة خاصتهم وعامتهم.

اشتهر الوهراني أكثر ما اشتهر بمناماته ( الفنتازية ) المغرقة في اللا معقول وبهذيانه وعبثه السخيف برجالات عصره في المشرق والمغرب، وخاصة من أولئك الذين تحاشوه أو أبعدوه، ولم يسلم من جرأته وسلاطة لسانه حتى كبارالحكام والوزراء منهم، ربما لأنه أخفق في الوصول إلى بلاطاتهم وأخذ صلاتهم، فصب جام غضبه عليهم وعلى أعوانهم وعلى الحياة إلتي ألجأته إلى تجرع مرارة الإخفاق والحرمان، وقذفته إلى هامش الحياة.
ومما قاله شامتا بالدنيا وأهلها في لوحة عبثية ساخرة:

( كتب كلب إلى كلب:
أما بعد ياأخي ـ أدام الله حراستك ـ فإن بني آدم قد تسافلوا إلى حد ما عليه من مزيد، حتى بقيت أنا وأنت بالإضافة إليهم كمعن بن زائدة وطلحة الطلحات . فارتع في المجازر، ونم في المزابل، وارفع ساقك، وبُل على من لقيت منهم والسلام).


ذكرني حال الوهراني هذا بما يشعر به أهل المشرق من غرابة الآن في لهجة أهل المغرب من مراكش المغربية إلى طرابلس الليبية، حتى إن بعض القنوات التلفزية المشرقية تعمد إلى إدراج ترجمة مكتوبة لكلام المغاربة، أسفل الشاشة، وكأنهم يتكلمون الروسية أو الألمانية، إذا أصرهؤلاء على التكلم بلهجتهم الصريحة أو إذا عجزوا عن التكلم باللهجة المشرقية، وتلك حالة نادرة. أما معظم المغاربة الذين بستضافون في تلفزات المشرق فلا يجدون أي حرج في التكلم بلهجة البلد المضيف، بقدرما يتحرجون عند الحديث بلهجتهم. و كثيرا ما تجد مغنين و مغنيات من بلدان المغرب يغنون بلهجات المشرق، على اختلاف ألوانها وظلالها، وقليلا بل نادرا ما تجد خلاف ذلك، وكأن المدخل الطبيعي لشهرتهم لا يأتي إلا من جهة المشرق.
—————
هامش: معن بن زائدة وطلحة الطلحات من أجواد العرب وكرمائها.

ليست هناك تعليقات: