كتب يوم الجمعة,أيلول 22, 2006
هوامش وقضايا لغوية حول حقيقة تسمية شهر رمضان:
الشهر عند العرب ما بين الهلالين، ورمضان من أسماء الشهور العربية، مثله مثل بقية الأسماء الأخرى المعروفة، وهو شهر الصيام عند المسلمين كافة.
قال تعالى: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم)؛ معناه أن الصوم كان مفروضا قبل الإسلام، ولكن الجديد أن الله سبحانه وتعالى بين أيَّ شهرٍ هو شهرُ الصوم، لأن هذا الشهر لم يكن محددا قبل الإسلام. وبنزول الآية الكريمة: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) أصبح وقت الصوم المفروض على كل مسلم بالغ قادر معلوما ومحددا، رغم فارق الزمن الموجود بين الدول الإسلامية في رؤية هلالي الصوم والفطر، وقد يتجاوز مدى هذا الفرق اليوم أو اليومين في بعض الأحيان.
أما عن سبب تسمية شهر الصوم برمضان فقال عنه ابن دريد: لما نقلت العرب أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي هي فيها، فوافق رمضان أيام رَمَضِ الحر وشدته فسمي به.
وشهر رمضان، في المدلول اللغوي الحسي، مأخوذ من رَمِضَ الصائم إذا حرَّ جوفه من شدة العطش، وارتمض الرجلُ إذا فسد بطنه ومعدته كما نقل عن ابن الأعرابي، وذكر أهل المعاجم دلالات لغوية حسية كثيرة أخرى تجاوزناها للاختصار..
ومعلوم أن الشهور العربية متحولة في الأزمان، فتأتي في الشتاء والصيف، وفي الخريف والربيع. لتتحقق بتعاقبها العبادات والطاعات على مدار الساعة والوقت؛
فإذا أمد الله في عمر الفرد أمكنه أن يصوم شهر رمضان في كل الفصول وفي نفس اليوم المعاد؛ مرة واحدة في سني شبابه إلى ما بعد الثلاثين بثلاث سنوات، ومرة واحدة في سني كهولته إلى ما بعد الستين بست سنوات، ومرة واحدة في سني شيخوخته وهرمه إلى ما بعد التسعين بتسع سنوات. وفي ذلك تمام القرن. ويكون بهذا كأنه قد صام عاما كاملا متصلا من غير انقطاع، وفي سائر تقلبات الفصول الجوية. وفي ذلك تمام الحساب، ومنتهى العدل، وتمام الحكمة الإلهية التي لا يمكن أن يتخللها سهو أو نقص..
وتُذكر كلمة رمضان في التعبير اللغوي العربي القديم مقرونة بكلمة شهر، فيقال جاء شهر رمضان وأقبل شهر رمضان، ولا يقال: جاء رمضان، وأقبل رمضان، على غير عادتنا الآن، سواء في الاستعمال العربي الفصيح أو الدارج.
وهذا وضع لغوي ينبغي تصحيحه احتراما لهذا الشهر الذي يقترن في أذهان كثيرين من الصائمين أو (المتصايمين) بالتسلية والترفيه، وممارسة الرياضة قبيل مغرب الشمس بقليل، وبمتابعة الملسلسلات المضحكة وبرامج الكاميرا الخفية، والخروج إلى المقاهي وأماكن التسوق مباشرة بعد الإفطار، حيث يتحول ليل المسلمين في رمضان إلى نهار في الإقبال على الشهوات والملذات، ونهارهم إلى ليل في الخلود إلى النوم والسبات …..
وقد قال تعالى: ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)، ولم يقل: رمضان.
وهذا بخلاف الشهور العربية الأخرى حيث يجوز عدم اقترانها بكلمة شهر في الاستعمال، فتقول جاء شعبان من غير اقتران بكلمة شهر.
وأما ما جاء في الأحاديث من نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم، ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا..)، وقوله: ( ومن أدرك رمضان فلم يغفر له..) فهذا من باب الحذف لعدم الخوف من الالتباس على نحو ما جرت به أساليب العربية القديمة التي كثيرا ما كانت تجنح إلى الحذف لقوة السليقة في ذلك الزمن الأول قبل أن تتسرب إليها العُجمة، ويضعف إحساس العرب بلغتهم، كما هو حاصل الآن، في عصرنا هذا…
وكذلك الشأن بالنسبة لمناسك المسلمين، فيقال مثلا يوم التروية ويوم عرفة، ولا يقال التروية وعرفة، كما نقل الجاحظ في كتابه (الحيوان)، وهو من هو في معرفة خصائص العرب وأسرارهم في استعمالاتهم اللغوية.
أما عن السبب الذي دفع بعض السلف إلى كره القول الشائع الآن: جاء رمضان، من غير اقتران بكلمة شهر، فلأن بعضهم بلغ إلى علمه أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى.
ولهذا السبب أيضا كره بعض السلف أن يُجمع رمضان، كأن تقول: رمضانات ورماضين وأرمضاء وأرْمِضة، كما جاء عن بعض أهل اللغة.
إن فضل شهر رمضان عظيم، ونفعه عميم، فهو شهر القرآن، وهو شهر الصبر لأنه حبس للجسم والنفس عن المفطرات والمحرمات، وهو الشهر المفضل عن بقية الشهور؛ فقد روي عن كعب: إن الأفضل من البلدان مكة، ومن الشهور رمضان، ومن الأيام الجمعة.
ولكن، هل واقع حالنا اليوم يليق بشهر رمضان وبمكانته..؟؟!!
بعض عناصر الجواب عن هذا السؤال ربما تكفلت به قنواتنا التليفزيونية التي ستعرض علينا ما ادخرته خلال سنة من إنتاج البرامج المخصصة لهذا الشهر دون سواه. ولو تم توزيعها على مدار السنة لكان لها وقع آخر، لتشتت ذهن المتفرج وتوزعه عبر القنوات المختلفة. فيكون كمن شاهد شيئا وغابت عنه أشياء، أو كالمسافر في القطار السريع يرى أشياء كثيرة تمر ولكنه في الواقع لايرى شيئا، لتنقله عبر المحطات المختلفة عبر ( الريموت كنترول).
وبعض عناصر الجواب الأخرى أيضا ما نراه عادة في سلوك الناس خلال هذا الشهر الذي تكثر فيه الخصومات والمشاحنات بين الصائمين على الطرقات وفي الأسواق والأماكن العامة المزدحمة.
وبعض العناصر ما تتكلفه كثير من الأسر العربية والمسلمة وتبالغ فيه إلى درجة السرف والتبذير من أطباق شهية ومشروبات متنوعة تذهب بقسط لا يستهان به من مدخراتها السنوية….
هوامش وقضايا لغوية حول حقيقة تسمية شهر رمضان:
الشهر عند العرب ما بين الهلالين، ورمضان من أسماء الشهور العربية، مثله مثل بقية الأسماء الأخرى المعروفة، وهو شهر الصيام عند المسلمين كافة.
قال تعالى: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم)؛ معناه أن الصوم كان مفروضا قبل الإسلام، ولكن الجديد أن الله سبحانه وتعالى بين أيَّ شهرٍ هو شهرُ الصوم، لأن هذا الشهر لم يكن محددا قبل الإسلام. وبنزول الآية الكريمة: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) أصبح وقت الصوم المفروض على كل مسلم بالغ قادر معلوما ومحددا، رغم فارق الزمن الموجود بين الدول الإسلامية في رؤية هلالي الصوم والفطر، وقد يتجاوز مدى هذا الفرق اليوم أو اليومين في بعض الأحيان.
أما عن سبب تسمية شهر الصوم برمضان فقال عنه ابن دريد: لما نقلت العرب أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي هي فيها، فوافق رمضان أيام رَمَضِ الحر وشدته فسمي به.
وشهر رمضان، في المدلول اللغوي الحسي، مأخوذ من رَمِضَ الصائم إذا حرَّ جوفه من شدة العطش، وارتمض الرجلُ إذا فسد بطنه ومعدته كما نقل عن ابن الأعرابي، وذكر أهل المعاجم دلالات لغوية حسية كثيرة أخرى تجاوزناها للاختصار..
ومعلوم أن الشهور العربية متحولة في الأزمان، فتأتي في الشتاء والصيف، وفي الخريف والربيع. لتتحقق بتعاقبها العبادات والطاعات على مدار الساعة والوقت؛
فإذا أمد الله في عمر الفرد أمكنه أن يصوم شهر رمضان في كل الفصول وفي نفس اليوم المعاد؛ مرة واحدة في سني شبابه إلى ما بعد الثلاثين بثلاث سنوات، ومرة واحدة في سني كهولته إلى ما بعد الستين بست سنوات، ومرة واحدة في سني شيخوخته وهرمه إلى ما بعد التسعين بتسع سنوات. وفي ذلك تمام القرن. ويكون بهذا كأنه قد صام عاما كاملا متصلا من غير انقطاع، وفي سائر تقلبات الفصول الجوية. وفي ذلك تمام الحساب، ومنتهى العدل، وتمام الحكمة الإلهية التي لا يمكن أن يتخللها سهو أو نقص..
وتُذكر كلمة رمضان في التعبير اللغوي العربي القديم مقرونة بكلمة شهر، فيقال جاء شهر رمضان وأقبل شهر رمضان، ولا يقال: جاء رمضان، وأقبل رمضان، على غير عادتنا الآن، سواء في الاستعمال العربي الفصيح أو الدارج.
وهذا وضع لغوي ينبغي تصحيحه احتراما لهذا الشهر الذي يقترن في أذهان كثيرين من الصائمين أو (المتصايمين) بالتسلية والترفيه، وممارسة الرياضة قبيل مغرب الشمس بقليل، وبمتابعة الملسلسلات المضحكة وبرامج الكاميرا الخفية، والخروج إلى المقاهي وأماكن التسوق مباشرة بعد الإفطار، حيث يتحول ليل المسلمين في رمضان إلى نهار في الإقبال على الشهوات والملذات، ونهارهم إلى ليل في الخلود إلى النوم والسبات …..
وقد قال تعالى: ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)، ولم يقل: رمضان.
وهذا بخلاف الشهور العربية الأخرى حيث يجوز عدم اقترانها بكلمة شهر في الاستعمال، فتقول جاء شعبان من غير اقتران بكلمة شهر.
وأما ما جاء في الأحاديث من نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم، ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا..)، وقوله: ( ومن أدرك رمضان فلم يغفر له..) فهذا من باب الحذف لعدم الخوف من الالتباس على نحو ما جرت به أساليب العربية القديمة التي كثيرا ما كانت تجنح إلى الحذف لقوة السليقة في ذلك الزمن الأول قبل أن تتسرب إليها العُجمة، ويضعف إحساس العرب بلغتهم، كما هو حاصل الآن، في عصرنا هذا…
وكذلك الشأن بالنسبة لمناسك المسلمين، فيقال مثلا يوم التروية ويوم عرفة، ولا يقال التروية وعرفة، كما نقل الجاحظ في كتابه (الحيوان)، وهو من هو في معرفة خصائص العرب وأسرارهم في استعمالاتهم اللغوية.
أما عن السبب الذي دفع بعض السلف إلى كره القول الشائع الآن: جاء رمضان، من غير اقتران بكلمة شهر، فلأن بعضهم بلغ إلى علمه أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى.
ولهذا السبب أيضا كره بعض السلف أن يُجمع رمضان، كأن تقول: رمضانات ورماضين وأرمضاء وأرْمِضة، كما جاء عن بعض أهل اللغة.
إن فضل شهر رمضان عظيم، ونفعه عميم، فهو شهر القرآن، وهو شهر الصبر لأنه حبس للجسم والنفس عن المفطرات والمحرمات، وهو الشهر المفضل عن بقية الشهور؛ فقد روي عن كعب: إن الأفضل من البلدان مكة، ومن الشهور رمضان، ومن الأيام الجمعة.
ولكن، هل واقع حالنا اليوم يليق بشهر رمضان وبمكانته..؟؟!!
بعض عناصر الجواب عن هذا السؤال ربما تكفلت به قنواتنا التليفزيونية التي ستعرض علينا ما ادخرته خلال سنة من إنتاج البرامج المخصصة لهذا الشهر دون سواه. ولو تم توزيعها على مدار السنة لكان لها وقع آخر، لتشتت ذهن المتفرج وتوزعه عبر القنوات المختلفة. فيكون كمن شاهد شيئا وغابت عنه أشياء، أو كالمسافر في القطار السريع يرى أشياء كثيرة تمر ولكنه في الواقع لايرى شيئا، لتنقله عبر المحطات المختلفة عبر ( الريموت كنترول).
وبعض عناصر الجواب الأخرى أيضا ما نراه عادة في سلوك الناس خلال هذا الشهر الذي تكثر فيه الخصومات والمشاحنات بين الصائمين على الطرقات وفي الأسواق والأماكن العامة المزدحمة.
وبعض العناصر ما تتكلفه كثير من الأسر العربية والمسلمة وتبالغ فيه إلى درجة السرف والتبذير من أطباق شهية ومشروبات متنوعة تذهب بقسط لا يستهان به من مدخراتها السنوية….
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق