الأربعاء، 13 فبراير 2008

كشكول شهر رمضان 3

كتب يوم الإثنين,أيلول 25, 2006

سحر الإشارات وأمثولة السرد العربي المختزل

تحفل كتب التراث العربي بكثير من القصص والحوارات القصيرة التي تجري مجرى الأمثولة، والسرد الرمزي المختزل.

وعيب هذه الحكايات والحوارات أنها جاءت متناثرة في الكتب والموسوعات العامة، وضمن سياقات غير متجانسة، مما جعل كثيرا من الدارسين يغفلون عنها. ولو جمعت في كتاب واحد، وضم بعضها إلى بعض لكان وقعها كبيرا على من له شغف بقراءة ودراسة هذا النوع المتميز ضمن أدب السرد العربي القديم وفن الأمثولة الأدبية.

وتظهر أهمية هذه القصص أو السرود القصيرة جدا فيما يمكن أن تختزله من إشارات وتلميحات يغني مجملها عن التتفاصيل المملة والوعظ المباشر.

ولأن هذه الحكايات الخرافية مختزلة جدا فهي تترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام القارئ أو المستمع ليستنتج منها ما يروق له وما يتلاءم مع طبيعة موقفه ونمط تفكيره، فيسهل عليه أن يكتشف ما بينها وبين حاله وواقعه من روابط، أو أن يخلق لها امتدادات وهوامش إضافية يراها في تفاصيل العيش والتصرف والمعاملة هنا أو هناك، أوفي سلوكه أو سلوك الناس من حوله.
وهذه بعض الإشارات والسرود الخرافية التراثية المختزلة التي تبقى إشاراتها ودلالتها مفتوحة على كل عصر وأوان:

الإشارة الأولى:
رأت أم الضبع ظبية على حمار، فقالت: أردفيني على حمارك، فأردفتها، فقالت: ما أفره حمارك؟!! ثم سارت يسيرا فقالـت: ما أفره حمارنا، فقالت الظبية: انزلي قبل أن تقولي: ما أفره حماري، وما رأيت أطمَعَ منكِ!!

الإشارة الثانية:
شتم جديٌ على سطح ذئباً مر به. فقال الذئب: لم تََشتُمني أنت، وإنما شَتمني مكانُك.

الإشارة الثالثة:
لقي كلب كلباً في فمه رغيف مُحرَّق فقال: بئس هذا الرغيف ما أردأه! فقال له الكلب الذي في فمه الرغيف: نعم، لعن الله هذا الرغيف ولعن من يتركه قبل أن يجد ما هو خير منه.

الإشارة الرابعة:
كان لبعضهم درة (حمامة) فصيحة الكلام فلما أراد السفر إلى بلاد السودان قالت له: يا مولاي اقرأ أصحابي السلام وقل لهم: عندي طير منكم في قفص حديد لا يستطيع الطيران إليكم فانظروا في أمره. فلما أدى الرسالة إلى جنسها من الطيور ضربوا بأجنحتهم وأظهروا له أنهم ماتوا، فندم على تبليغ الرسالة شفقة عليهم. فلما رجع أخبرها بذلك فضربت بأجنحتها وألقت بنفسها إلى الأرض كأنها ميتة، فأخرجها من القفص وألقاها فطارت وقالت: يا مولاي إن أصحابي ماتوا( بمعنى: تماوتوا) ولكن علموني طريق الخلاص!!.

الإشارة الخامسة:
روي أن النبي سليمان عليه السلام رأى عصفوراً يقول لعصفورة: لم تمنعين نفسك مني؟ ولو شئت أخذت قبة سليمان بمنقاري فألقيتها في البحر!. فتبسم سليمان عليه السلام من كلامه، ثم دعا بهما، وقال للعصفور: أتطيق أن تفعل ذلك؟ فقال يا رسول الله: لا، ولكن المرء قد يزين نفسه ويعظمها عند زوجته، والمحب لا يلام على ما يقول. فقال سليمان للعصفورة: لم تمنعيه من نفسك وهو يحبك؟ فقالت: يا نبي الله إنه ليس محباً، ولكنه مدع؛ لأنه يحب معي غيري. فأثر كلام العصفورة في قلب سليمان عليه السلام، وبكى بكاء شديداً، واحتجب عن الناس أربعين يوماً يدعو الله أن يفرغ قلبه لمحبته، وأن لا يخالطها بمحبة غيره.

الإشارة السادسة:
ومن كلام العرب وهو يجري مجرى حكاية العصفورين السابقين، قولهم: أعطني قلبك والقني متى شئت. يعني: أن الاعتبار يكون بصفاء المودة لا بكثرة اللقاء.

الإشارة السابعة:
كتب أحدهم كتابا إلى إبليس لعنهُ الله في حاجة له، واستعجل حضوره. فجاءه ملبيا وقال له: ما حاجتك؟ قال: لي جار مُكرِم شديد الميل إلي، كثير الشفقة علي وعلى أولادي؛ إن كانت لي حاجة قضاها أو احتجت إلى قرضٍ أقرضني وأسعفني، وإن غبت خَلَفني في أهلي وولدي يبرُّهم ويرعى أمرهم، وإبليس كلّما سمع منه يقول: هذا حسن وهذا جميل..!! فلما فرغ من وصفه قال: فما تحب أن أفعل به، قال: أريد أن تزيل نعمته وتفقره؛ فقد أغاظني أمره وكثرة ماله وبقاؤه وطول سلامته. فصرخ إبليس صرخة لم يسمع مثلها منه قط فاجتمع إليه عفاريتُه وجندُه وقالوا: ما الخبر ؟؟!! فقال لهم: هل تعلمون أن الله عز وجل خلقَ خلقاً هم شرٌّ مني..!!

ليست هناك تعليقات: