الاثنين، 11 فبراير 2008

للكذب مواسم وأعياد

كتب يوم الأحد,نيسان 02, 2006

نقدم هذا الإدراج بمناسبة فاتح أبريل نيسان الذي يحلو لبعضنا أن يطلق عليه اسم عيد الكذب، تجملا أو مزاحا أو تندرا وسخرية، انطلاقا من القول الشائع: (أنا لا أكذب، وإنما أتجمل..)

وبما أن أسواق الكذب والنفاق قائمة في عالمنا (المعولم) اليوم، على كل قدم وساق وعلى طول السنة بين الأفراد والجماعات، وبين الدول والحكومات، ومدعومة بقوة النار والسلاح، وبأبواق الدعاية المكتوبة والمقروءة والمسموعة، فلا يستغرب أن يتوج الكذب بأوسمة الاستحقاق، وأن تقام له المهرجانات، إذا كان يجر على أصاحبه المنتفعين عظيم الفوائد والأرباح..

وأعجب عجائب هذا الزمن مفارقات الكذب الأمريكية، عندما تفتري وتكذب وتزين وتجمل حتى يصدقها الناس رغبة أو رهبة، وإن أبوا حملتهم على التصديق والإذعان بقوة الحديد والنار، وجعلت سياستها وكلمتها أمرا واقعا مفروضا.

ترى ما هي حدود الصدق والكذب التي رسمها تراثنا العربي والإسلامي؟!!
وهذه بعض الإضاءات التراثية تخيرناها لتكون دليلا على غيرها من آلاف الحكايات والمواقف المختزنة في كتب التراث، وفي تجارب الأسلاف المرتبطة بهذا الموضوع الشائك الذي يبقى جزء كبير من حقيقته غائرا في عتمة النفس البشرية، إلا في تلك الأوقات التي تتطابق فيها الأقوال مع الأفعال، وتتوافق فيها الحالات مع الصفات..

المواضع التي يصلح فيها الكذب:
قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : “لا يصلح الكذب إلا في ثلاثة مواضع: الحرب فإنها خدعةٌ، والرجل يُصلح بين اثنين، والرجل يُرضي امرأته”.
قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ” لم يكذب من قال خيراً وأصلح بين اثنين”.

أقوال في الصدق والكذب:
قيل لكذوب: أصدقت قط؟ قال: أكره أن أقول: لا، فأصدق.
أمران لا ينفكان من الكذب، كثرة المواعيد، وشدة الاعتذار.
من عُرف بالصدق جاز كذبه، ومن عُرف بالكذب لم يَجُز صدقه.
وقيل لأعرابي كان يسهب في حديثه: أما لحديثك هذا آخرٌ؟ فقال: إذا انقطع وصلته.
قال ابن المقفع: لا تهاونَنْ بإرسال الكذبة في الهزل فإنها تسرع في إبطال الحق.
قال رجل لأبي حنيفة: ما كذبت كذبة قط !!؛ قال: أما هذه فواحدةٌ يُشهد بها عليك.
يقال: لا تستعن بكذاب، فإنه يقرب لك البعيد ويباعد لك القريب
يقال: الصدق قوة، والكذب عجز
لا يكذب المرء إلا من مهانتـــه
أو عادة السوء أو من قلة الأدب
لجيفة الكلب عندي خير رائحة
من كذبة المرء في جد وفي لعب


بعض حكايات وطرائف الصدق والكذب:
كان بين حاتم طيء وبين أوس بن حارثة ألطف ما يكون بين اثنين؛ فقال النعمان بن المنذر لجلسائه: واللّه لأفسدن ما بينهما.
قالوا: لا تقدر على ذلك.
قال: بلى، فقلما جربت الرجال في شيء إلا بلغته.
فدخل عليه أوسٌ، فقال: يا أوس ما الذي يقول حاتمٌ؟
قال: وما يقول؟
قال: يقول إنه أفضل منك وأشرف!!
قال: أبيت اللعن ( تحية الملوك في الجاهلية)، صدق؛ واللّه لو كنت أنا وأهلي وولدي لحاتم لأنهَبنا في مجلسٍ واحدٍ، ثم خرج وهو يقول:
يقول لي النعمان لا من نصيحة
أرى حاتما في قوله مُتطــــاولا
له فوقنا باعٌ كما قال حاتـــــــم
وما النصح فيما بيننا كان حُوَّلا

ثم دخل عليه حاتم، فقال له مثل مقالته لأوسٍ.
قال: صدق، أيْن عسى أن أقع من أوس! له عشرة ذكورٍ أخسهم أفضل مني. ثم خرج وهو قول:
يسائلني النعمانُ كي يستِزلــني
وهيهات لي أن أُستضام فأُصرعا
كفاني نقصا أن أَضيم عشيرتي
بقول أرى في غيره مُتوسعــــــــا

فقال النعمان: ما سمعت بأكرم من هذين الرجلين.

وسأل رجلٌ عبد الملك بن مروان الخلوة؛ فقال لأصحابه: إذا شئتم تنحوا؛ فلما تهيأ الرجل للكلام قال له: إياك وأن تمدحني فإني أعرف بنفسي منك، أو تكذبني فإنه لا رأي لكذوبٍ، أو تسعى بأحدٍ إلي، وإن شئت أن أقيلك أقلتك؛ قال: أقلني.

وخطب الحجاج فأطال، فقام رجل. فقال: الصلاة، فإن الوقت لا ينتظرك والرب لا يعذرك، فأمر بحبسه، فأتاه قومه زعموا أنه مجنون وسألوه أن يخلي سبيله، فقال: إن أقر بالجنون خليته، فقيل له، فقال: معاذ الله لا أزعم أن الله ابتلاني وقد عافاني. فبلغ ذلك الحجاج، فعفا عنه لصدقه.

قال تعالى (يَحذَرُ المُنافِقونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيهِم سُورةً تُنَبِّئُهُم ِبمَا في ُقلُوبِهم) التوبة، آية 64. قال السدي: قال بعض المنافقين: والله لوددت أني قدمت فجلدت مائة جلدة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا، فأنزل الله هذه الآية. وقال مجاهد: كانوا يقولون القول بينهم ثم يقولون عسى الله أن لا يفشي علينا سرنا.
ولكن الله سبحانه فضح أمرهم وكذبهم في كثير من الآيات.

ليست هناك تعليقات: