السبت، 9 فبراير 2008

قراءة أولية في مشهد التدوين العربي

كتب يوم الخميس,شباط 16, 2006

عندما أضافت بعض المواقع العربية خدمة المدونات إلى باقي خدماتها البريدية والإعلامية والفنية ارتفعت حمى التدوين في أوساط المنتسبين إليها.

فتحقق حلم طالما راود ذلك المواطن العربي البسيط في إسماع صوته وإيصال فكرته ونقل تجاربه الشخصية وعرض مواقفه وتأملاته وانفعالاته وخبراته في الثقافة والعلم والحياة إلى بني جلدته الناطقين باللغة العربية، حيثما وجدوا، بطريقة تلقائية سهلة مرنة وميسرة، ودون حاجة ماسة إلى إتقان لغة الهوتميل أو كفايات وخبرات تقنية خاصة في إعداد صفحات الويب.

ومما زاد من إقبال الناس على التدوين وإنشاء المدونات مجانية عناوينها الإلكترونية، وسعة صفحاتها، وتنوع أشكال تنسيقها خطا وصورة وحركة وصوتا، وسهولة الولوج إليها، وحرية التصرف فيها بالإضافة أو الحذف أو الزيادة أو التصحيح، في أي وقت من ساعات النهار أو الليل.

وبذلك رفعت كل أشكال الإكراه والاحتكار والتضييق المجحف الذي لازالت تمارسه بعض الأندية والمواقع الإلكترونية عند التسجيل فيها أو الانتساب إليها. هذا فضلا عن أعطابها التقنية الكثيرة كالبطء، أو انقطاع الخط، أوالإغلاق المؤقت وغير المؤقت بأعذار مقبولة وغير مقبولة، وضعف السعة والمساحة، ورداءة الخط والتنسيق، وعدم الاهتمام الكافي بالصيانة الدورية، أوبالتحيين السريع…

و قد تتباين الآن وجهات النظر حول طبيعة تجربة المدونات نفسها سلبا وإيجابا، شكلا ومضمونا، وحول ما يمكن أن تضيفه من جديد إلى جانب المواقع الشاملة والأندية الكبيرة المتخصصة، أو ما يمكن أن تظهره من طاقات وإبداعات ومهارات في أوساط المدونين والمدونات من مختلف الأعمار ومن كافة البلدان العربية، وقد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر…

وقد يكون من الإجحاف أن نطلق أحكاما مبكرة على أعمال الاخوة المدونين والمدونات الآن، لتباين أمرهم واختلاف أهدافهم ونظرتهم إلى عملية التدوين نفسها؛

فهناك فئة عريضة من المدونين ما زال أكثرهم في طور التجريب والاستئناس، ولم يخرجوا بعد كل ما في جعبتهم، والبعض منهم مازال مترددا، أو لم يهتد بعد إلى طبيعة وجهته، ولم يعرب بما يكفي عن حقيقة انشغالاته واهتماماته. وقد يكفيهم الآن أنهم سجلوا عبورهم وحضورهم على الساحة العنكبوتية.

وهناك أيضا فئة من المدونين المتمرسين بأعمال الحاسوب والبرمجة، وتنسيق الصفحات، وعرض الخدمات الفنية والتقنية الإلكترونية المغرية. وبعضهم له تجارب ناجحة سابقة في إعداد المواقع لنفسه أولغيره.

ومنهم أيضا الأكاديميون العاملون في حقول العلم والمعرفة في الجامعات وهيئات البحث والثقافة وهم معروفون لدى أهل البحث والاختصاص وأيضا لدى زملائهم وطلبتهم. وهؤلاء تقع عليهم مسؤولية النهوض بعملية التدوين والارتقاء بها شكلا ومضمونا.

ومنهم أيضا فئة الصحافيين المتمرسين بالعمل الصحافي وفن كتابة التقارير والتعاليق، ومنهم مراسلون وتقنيون إعلاميون، وهؤلاء أيضا معروفون لدى متتبعي الأخبار ووكالات الأنباء وقراء الجرائد والصحف والدوريات ومشاهدي بعض قنوات البث الفضائي.

وهناك أيضا فئة الكتاب والمؤلفين والمبدعين في مجال الشعر والقصة والمقالة والمسرح وغيرذلك، وهؤلاء ربما سبقتهم شهرتهم إلى مدوناتهم.
ونتمنى أن تصل عدوى التدوين كافة الأقلام العربية حيثما وجدت، حتى يغتني فضاء التدوين أكثر بالأعمال الجادة المتميزة.

وهناك فئة عريضة من المدونين والمدونات المغتربين في بلدان المهاجر، وقد وجدوا في التدوين مجالا فسيحا للتواصل وتجديد العهد والذكرى بإخوانهم داخل الوطن العربي وبلغتهم وتراثهم، ناقلين تجاربهم وهمومهم وخبراتهم الحياتية والفكرية والإنسانية التي كونوها هناك بعيدا عن أوطانهم.

وهناك أيضا فئة من الفضوليين والطفيليين لا هدف لهم من التدوين إلا تمضية الوقت بالتوافه، وبعبارات الشات الركيكة والبذيئة في كثير من الأحيان. ولا هم عندهم إلا التشويش على المجتهدين والإيقاع بضحاياهم وجرهم إلى سخافاتهم وتعاليقهم المبتذلة، أو إلى تبادل واجترار جمل التهاني والأماني المألوفة وعبارات الغزل والغرام الدارجة هذه الأيام في أوساط المراهقين والمراهقات ناقلين بذلك سخافات بعض الأندية وتفاهات بعض الفضائيات العربية إلى صفحات مدوناتهم، وهناك صفحات عديدة فارغة أو تكاد، حتى إشعار آخر.

وفي الحقيقة تقدم لنا هذه الصورة الأولية للمدونات العربية حقيقة فسيفساء الوطن العربي المتلونة بألوان مشاكله، والمتعددة بتعدد همومه ونكباته وطموحاته وتحديات مواطنيه الشرفاء ذوي العزم والهمة والإباء، لكل موجات الإسفاف والابتذال، وعمليات التغريب والاستئصال، ومعاول الهدم الخارجية وحتى الداخلية.

وفي انتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من جديد المدونات ومفاجآتها، وفي انتظار وضوح الرؤية الكافية لدى الاخوة المدونين، نقدم بعض ملاحظاتنا الأولية المكملة لما عرضناه سابقا، بقصد التشجيع والتوجيه، وليس بقصد التهوين والتشنيع، راجين من الاخوة الكرام المساهمة بالنقاش والتعليق، لأجل تحقيق صورة نقية مشرقة لمدوناتنا العربية.

1- إيجابيات:

· في البداية أشد على يد فئة من المدونين الغيورين، من كافة البلدان العربية الذين أخذوا فكرة التدوين بما يكفي من الحزم والعزم، وقدموا صورة ناضجة ومشرقة لأشخاصهم ولبلدانهم، لا أعين أحدا منهم ولا أستثني أحدا من جملتهم حتى لا أتهم بالتحيز والمجاملة، ولا أنكر أني استمتع وأستفيد بقراءة كتاباتهم، وأتطلع كل يوم إلى جديد إدراجاتهم.

· استطاعت هذه المدونات أن تلم شمل الأقلام العربية عند منعطفات ومضايق واحدة، هي منعطفات ومضايق هذا الوطن العربي الذي نأمل جميعا أن يتجاوزها في القريب العاجل، وقد أوضحت مشاكل العراق وفلسطين وقضية الرسوم الأخيرة كيف يمكن للأقلام العربية أن تتحد وللأفكار والعواطف أن تتصل؛ فما بين تلك المدونات من خطوط الاتفاق والاتصال أكثر مما بينها من خطوط الاختلاف والانفصال، ويكفي دليلا على ذلك هذا الاستنفار الهائل وتلك التعبئة الواسعة التي أبان عنها المدونون للدفاع عن حرمتنا ومقدساتنا العربية والإسلامية.

· تقدم المدونات فسحة حرة لاختبار قدرات الشخص ومهاراته اليومية على التخيل والتفكير والتعبير مثلها مثل أي تدريب بدني للقوة أو السرعة أو التحمل، بغض النظر عن موضوعات المدونات طبعا، كل حسب طبيعة تكوينه وتعليمه واهتماماته، وقد تأخذ في البداية شكلا من أشكال الهواية ثم ما تلبث أن تأخذ شكلا آخر من أشكال الإدمان والغواية. وخاصة عند بعض المدونيين الحريصين على عرض إدراجات يومية إتحافا للقارئ وحبا فيه وتعلقا به وحرصا على جذبه وإثارة انتباهه، وقد صار عمل التدوين لديهم أشبه ما يكون بقهوة الصباح أو ترويقة المساء، لا يتخلى عنهما إلا لعذر قاهر.

· أظهرت بعض المدونات مواهب فذة في فنون المناورة بالكلمات والأفكار، فترقى صعودا حتى تصل إلى درجة عالية من الشفافية والرقة والشاعرية والجاذبية، ثم تنزل هبوطا حتى تصل إلى درجة عالية من الصراحة والنفاذ والقوة والسخرية، وبين هذه وتلك متوسطات لا حصر لها ولا عد.

2- سلبيات:

إيجابيات المدونات أكثر من سلبياتها، وقد اختصرت الحديث عنها واقتضبته، وربما تكون للاخوة الكرام وجهات نظر أخرى مكملة نرجو منهم أن يظهروها ويضيفوها من خلال التعليق.
أما ما عَنَّ لي من سلبيات فيمكن أن أعرضه ملخصا كالتالي:

· بعض المدونات موغلة في الخصوصية والحزبية والمحلية والإقليمية الضيقة، وكأن أصحابها تناسوا أن مدوناتهم تقرأ في عموم الوطن العربي، وهذا ربما ما يجعلها متماثلة في شكل الخطاب ومحتواه. وليست المحلية عيبا - في حد ذاتها- إذا قدمت في إطارها الحقيقي الموضوعي البعيد عن التعصب والخالي من التبجح.

· وحتى طبيعة قراءة تلك المدونات بالنسبة لزوار صفحات المدونين مبنية على فكرة المحلية نفسها، فالمواطن العربي يقرأ لأبناء وطنه، أكثر مما يقرأ لأبناء الأوطان العربية الأخرى. فتبقى الصورة العامة لمجمل الوطن العربي في ذهنه ناقصة أو مشوشة أو مشوهة.

· وحتى قراءة صفحات المدونين لا تخلو من عيوب، منها السرعة والعجلة، والاكتفاء بقراءة الفقرات الأولى فقط دون الضغط على وصلة المزيد أو التتمة لإظهار باقي الصفحات، أو الاكتفاء بأجزاء عشوائية من الإدراج، ولعل خير دليل على ذلك أن كثيرا من تعليقات الاخوة العابرين تكون بعيدة عن موضوع الإدراج نفسه.

· وما دمنا قد أثرنا قضية التعليق، فالتعليق وحده مشكلة، لأنه لا يساعد مع الأسف المدون على معرفة صورته في أذهان قارئيه. ووجوده كعدمه، لأنه، في أغلب الأحيان، لا يقدم ولا يؤخر شيئا، فليس وراء عبارات التشجيع والتنويه، أو الاستدعاء، أو تسجيل المرور شئ مهم يمكن أن يغني تجربته أو يصحح أخطاءه أو يعينه عل تفكيره أو أسلوبه، فضلا عن أعطابه الفكرية واللغوية الكثيرة.

· أما محنة اللغة العربية مع بعض المدونين – سامحهم الله - فهي كمحنة المواطنين الشرفاء مع أوطانهم وبعض حكامهم الفاسدين والمفسدين، ومعظمهم لا يتقيد بأدنى شروط السلامة اللغوية، ويعتبر الفكرة أسمى من اللغة، بل إن الاستهتار بشأن اللغة عند بعضهم وصل حدا جعلهم يهجرون الحرف العربي، إلى الحرف اللاتيني.

· أما أخطاء اللغة والتعبير والفصل والوصل بين الجمل والربط والفقرات فحدث ولا حرج، إلا من أخذ الله بيده، وأخشى أن يصير الحديث عن المدونات مستقبلا حديثا عن التفاضل في نقصها بدل أن يكون عن التفاضل في كمالها. فالاستسهال المفرط والتراجع المتراكم يقنع مع مرور الوقت بأدنى درجات الكمال.

وفي الختام، أقول: هذه كلمات عابرة عنت لي. وقد وضعتها بين يديك أيها القارئ الكريم، وهي أولية وليست كلية، وقابلة للزيادة والنقاش والتوجيه والتصويب، وأرجو أن تجد لها صدى في نفسك، وأن تساهم معنا- في خطوة أولى- لرسم نهج قويم لمدونة عربية تستجيب لشخصية المواطن العربي كما هو بإرثه وشموخه، لا كما يراد له أن يكون، وذلك من خلال أفكارك وتعليقاتك.
إمضاء: مدون عربي غيور

ليست هناك تعليقات: