الثلاثاء، 12 فبراير 2008

مناظرة الرؤساء

كتب يوم الأحد,أيلول 03, 2006

بعد حديثي السابق عن مدونة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، جاء دور الحديث عن مناظرته.
فقد أعرب أحمدي نجاد، في معرض خطبة حديثة له، عن رغبته في مناظرة خصمه العنيد البعيد اللذيذ جورج بوش.

غير أن هذه الدعوة للمناظرة لم تحظ بما يلزم من الاهتمام، وتخطتها سريعا معظم الصحف والأقلام؛ ربما لأن القائمين في البيت الأبيض على شؤون العالم الحر قد مزقوا تلك الدعوة وداسوها بالأقدام عتوا واستكبارا، اعتدادا منهم بقوة سلاحهم وجبروت آلتهم العسكرية التي لا يمكن أن يعلو معها صوت للجدل أو المناظرة، إلا ما قد يكون من صوت وعدهم ووعيدهم ضد كل من سولت له نفسه أن يمتلك قوة صناعية أو عسكرية أو نووية، أو أن يأوي أو يتعاطف مع عناصر المقاومة (الإرهابية).

ولو جاءت دعوة تلك المناظرة على لسان جورج بوش نفسه، لكان لها وقع آخر على الجوقة المحيطة به، ولما مر عليها الناس مرور الكرام، وكأنها لمح طيف أو سحابة صيف…!!

ومن يقرأ أبجديات الثقافة الفارسية الموغلة في القدم يدرك أن المناظرة إحدى المكونات الأساسية لشخصية زعماء الفرس وعلمائهم وأدبائهم في المرحلتين: الفهلوية والإسلامية.

وقد كانت المناظرات التي جرت في مجالس الخلفاء المسلمين، وفي معظم البيئات الثقافية الإسلامية المختلفة لحظة امتزاج الثقافتين:الإسلامية بأصولها العربية والفارسية بأصولها الفهلوية القديمة، في بلاد فارس والعراق والشام وحتى في مصر والأندلس والمغرب النواة الأولى لتأليف الكتب اللغوية والأدبية والنقدية والعلمية والسياسية والفلسفية والدينية والمنطقية والطبية والصيدلية وغيرها، كما كانت المنطلق الأول لتطور مختلف العلوم، وظهور أدق التخصصات.

فمن المعلوم أن ظهور كتاب سيبويه (الكتاب)، المشهور في باب النحو، كان ثمرة مناظرة علمية دقيقة جرت أطوارها بين العالمين سيبويه الفارسي والكسائي العربي في رحاب البلاط العباسي، على عهد الوزراء البرامكة الفرس أعوان العباسيين في طورهم الأول.

وقد صارت بلاد فارس بعواصمها الثقافية الإسلامية الكثيرة كالري وأصفهان وشيراز وغزنة ونيسابور وزمخشر وغيرها مبتغى كثير من المرتحلين العرب في سبيل تحصيل العلوم، وكان أكثر ما يجذب هؤلاء المرتحلين إلى هذه المناطق من كل حدب وصوب علوم الجدل والخلاف، كما يستنتج من سيرهم وتراجمهم.

ويمكن أن نذكر، على سبيل المثال أيضا، المناظرة التي جرت بين عالم الخلاف الكبير الزمخشري والقاضي عياض السبتي المغربي عن طريق المراسلة فقط، ودون أن يلتقي أحدهما بالآخر بالإضافة إلى مناظرات الخيام ورشيد الدين الوطواط وابن بطلان ومناظرات المعتزلة والأشاعرة وأهل الرأي وحتى أهل الخرق والتصوف…

فهل كان الأسلاف من ساسة وزعماء ومثقفي هذا العالم أكثر انفتاحا وديمقراطية وقبولا للرأي الآخر، مما هو عليه الوضع الآن ؟؟.

فقد قدمت الأحداث المتعاقبة على كل أرض العرب والمسلمين، منذ أحداث 11 أيلول سبتمبر المشؤومة وصولا إلى حرب لبنان الأخيرة الدليل القاطع على أن خيار القوة العسكرية هو ما ارتضته أمريكا وربيبتها إسرائيل بديلا عن أصول الحوار والنقاش. وقد فرضتاه على أرض العرب والمسلمين تارة بالقوة والتدمير، وتارة أخرى بالحصار والاستنزاف أوبالإذلال والمساومات الرخيصة…

إن من شروط المناظرة أن يكون المتناظران متساويين في القدرة والكفاءة والمعرفة والتحصيل. والمناظرة أشبه بسباق الرياضيين، فلا بد له من عدد محدد من الأشواط، ومن جولات معينة للإقصاء ومن لجنة تحكيم نزيهة، ومن جمهور يعاين ويصفق.

فهل بدأت إيران تستشعر أنها بقوتها العلمية والعسكرية والنووية صارت أقرب إلى معسكر اللاعبين الكبار في هذا العالم ؟؟، وهل كان انتصار حزب الله الأخير في حربه مع إسرائيل مرحلة اختبار ناجحة لقوة إيران قبل أن يكون لقوة هذا الحزب؟؟

وهل في دعوة أحمدي نجاد لغريمه بوش إلى المناظرة حالة من حالات استشعار قوة الذات الداخلية المحمية بغطاء ردع القوة النووي..؟؟!!

كم كنت أتنمى على بلداننا العربية أن يكون حالها كحال إيران، يتفاوض العالم كله معها، ولا يتفاوض عليها، ينشغل الناس بها ولا ينشغلون عنها.

لقد آن للضعفاء أن يدركوا أن القوة هي ما يمكن أن يجلب لهم مزيدا من القوة، وأن حالة ضعف واحدة قد تهوي بهم جميعا إلى الحضيض.

فهل هذه هي الرسالة التي أراد نجاد أن يبثها عبر دعوته تلك ؟؟، خاصة وأنه يحس في قرارة نفسه أنه من المغضوب عليهم أمريكيا وإسرائيليا وحتى أوربيا، لأنه وقف تجاههم جميعا وقفة الند للند، ولأنه دعا إلى نزع مسمار جحا الإسرائيلي الذي دقته أوربا في بيت العرب والمسلمين، وإلى وقف حالات العربدة الأمريكية والصهيونية التي عاثت فسادا ونهبا واغتصابا حتى أقصى حدود التمادي في جميع بلاد العرب والمسلمين، من حدود الباكستان وصولا إلى فلسطين ولبنان..

فهل يستفيد العرب من درس إيران النووي، ومن درس حزب الله في المقاومة..؟؟ هيهات!! ثم ألف هيهات!! وخاصة لمن لم يستفق بعد من صدمة الانتصار المعاكس لحزب الله، لأنه في الأصل لا يثق إلا في نصر سيده الأمريكي أو الصهيوني. كما الخصي يتباهى بأير سيده ..!!

ليست هناك تعليقات: