الجمعة، 8 فبراير 2008

الاختيار الصعب

كتب يوم الإثنين,كانون الأول 19, 2005

من منا لا تصيبه الحيرة عند المواقف الصعبة، فيتلجلج اللسان، وتضطرب الخطوات، بين رغبة ورهبة، وبين إقدام وإحجام، وخاصة عندما تتكالب علينا الدنيا، ويسلمنا الأهل والخلان إلى مصيرنا المحتوم. وعندها لا سبيل للفوز والنجاة إلا بالعزم والإقدام. فالعزم أقرب مسافة إلى النجاح. ورب لحظة تردد قصيرة فوتت على صاحبها الفرصة، وأورثته غما ملك عليه نفسه، ونغص عليه عيشه.

تذكرت في هذه اللحظة موقف تأبط شرا أحد الشعراء الجاهلية الصعاليك الشجعان، وقد أحاط به أعداؤه من بني لحيان، بأعلى الجبل حيث كان يشري ( يقطف) العسل، وهو أعزل مكشوف لأعدائه، وليس بين يديه إلا وطاب (قربة) العسل الذي ملأه للتو. وفي مسافة عزم أقل من لمح البصر صب العسل اللزج على صخرة الجبل، وانزلق بجسمه الرشيق المفتول عليها إلى الأسفل بعيدا، شامتا مستعذبا نشوة الظفر بالأعداء الذين تسمروا في مكانهم مذهولين بشجاعته، يقول تأبط شرا مختزلا هذا المشهد في أبيات قليلة الكلمات كثيرة الدلالات، وقد اختارها أبوتمام كإحدى أفضل مشاهد الحماسة في كتابه المشهور ب ( الحماسة ):
إذا المرء لم يَحْتل وقد جَدَّ جِــــــدُّه
أَضاع وقاسى أمره وهو مُدْبــــــــر
ولكن أخو الحزم الذي ليس نـــازلا
به الخَطْب إلا وهو للقصد مُبصـــر
فذاك قَريعُ الدهر ما عاش حُـــــوَّل
إِذ سُد منه مَنْخِر جاش منخــِــــــــر
أقول لِلِحْيانٍ وقد صَفِرت لهـــــــــم
وِطابي ويومي ضيِّقُ الجُحْر مُعْــوِر
هما خُطَّتا إما إِسار ومِنَّـــــــــــــــة
وإما دم والقتل بالحر أجـــــــــــــدر
وأخرى أُصادي النفس عنها وإنهــا
لمورد حَزم إن فعلت ومَصْـــــــدر
فرشت لها صدري فزَلَّ عن الصفـا
به جُؤجُؤ عَبْل ومتن مُخَصَّــــــــــر
فخالط سهل الأرض لم يَكْدح الصفا
به كَدْحَةً والموت خَزْيانُ ينظُـــــــر
فأُبْت إلى فَهْمٍ ولم أكُ آيبــــــــــــــا
وكم مِثْلِها فارقتها وهي تَصْفِـــــــر

ليست هناك تعليقات: