الثلاثاء، 26 يناير 2010

مزاج طبيعي جدا

كثر الحديث في هذه الأيام عن التقلبات المناخية التي تشهدها معظم المناطق العالمية. ولا يتعلق الأمر هنا بمجرد تقلبات عادية في درجات الحرارة والرطوبة أو في كمية التساقطات المطرية والثلجية، وإنما بتقلبات استثنائية ونوعية في المزاج الطبيعي كله.
وكأن هذه المزاج الطبيعي المتغير فجأة رسائل إنذار مبكرة للناس كي يحزموا حقائبهم لسفر كوكبي مرتقب بعيد عن واقع هذه الأرض إذا ما ضاقت بهم، أو اختلت موازينها، أو صار كل شيء فيها بالمقلوب….

وقد كان زلزال هايتي الأخير بمثابة يوم قيامة مُصغر؛ قضم ربع سكانها دفعة واحدة في أقل من طرفة عين.
لقد أربك زلزال هايتي الذي ضرب هذه المرة في الصميم موازين المختصين بعلم الزلازل، وجعلهم يقيسون ويتوقعون مدى حجم الدمار الذي ينتظر البشرية إذا ما قرر مزاج الطبيعة الزلزالي أن يضرب في كل مرة ضربته في الصميم، حيث كبريات المدن و حيث المنشآت الصناعية وحيث السدود العالية والجسور المعلقة ومحطات الطاقة النووية، ومراكز تخزين السلاح وغير ذلك من المنشآت المدنية والعسكرية والإستراتيجية والحيوية…

يُخيل إلي أحيانا أن مزاج أمنا الأرض كمزاجنا، وربما كان ذلك المزاج لديها، حين تكفهر أو تكشر أو ترتعش، نوعا من ردة الفعل على إزعاجنا لها وتحدينا لها بالحفر من هنا وبالردم من هناك وبالوصل من هنا وبالقطع من هناك…

فعلى كوكبنا الأرضي حرب غير معلنه بين كل ما هو طبيعي وبين كل ما هو صناعي، بين ما ينتجه تراب الأرض من زرع وضرع وبين ما تصنعه يد الإنسان من ضر ونفع.
وتسعى الطبيعة مع ذلك جاهدة لاحتواء أوضار البشر في بحرها وبرها وجوها للإبقاء على الحد الأدنى من التوازن فعل كل أم رؤوم تجاه سلوك أبنائها عندما تضم صالحهم وطالحهم وتحتويهم جميعا تحت جناحها ...

ولو جعل كل واحد منا نفسه مكان الأرض لما تحمل ذرة واحدة مما تحملته هذه الأرض العجوز الشمطاء منذ ملايين السنين من وزرنا..
وأحمد الله أن ترابها ما زال يطرح الثمار والغلال، وأن ماءها لازال في مذاقنا هو نفسه الموصوف بالزلال، وأن مرعاها لا تعافه إلى يوما هذا الحمير والبغال.

وما أثار انتباهي في موضوع مزاج طبيعتنا المتغير هذا هو نزعة التشاؤم والخوف من المجهول التي بدأت تسيطر على عقول الناس كلما تحدثوا عن هذا الموضوع، واحتماؤهم بالأوهام الميتافيزيقية السطحية التي يستغلها البعض عبر كثير من القنوات الفضائية لإثارة الفتن الدنيوية والدينية، مع أننا نعيش آخر صيحات التكنولوجية.

أطن أن السماء حينما تمطر ببلادنا بغزارة فإنما تمطر بالغيث الذي يحيي الأرض، وليس بالحفر التي تعرقل حركة السير على الطرقات المغشوشة أو تغرق الدور والمزارع عند الأراضي الواطئة…

وفي سلوك الطبيعة ومزاجها المتغير ما يكفينا ويكفي كل الوزارات القائمة على أمرنا من دروس لنعتبر لا لنعتذر عند الإهمال أو التفريط كلما أمطرت السماء أو شحت وكلما اهتزت الأرض أو استقرت…
ــــــــــــــــــــــــــ
إدراجات ذات صلة:
نخيل المغرب يزهر في موسم الشتاء
خيال مجنح

ليست هناك تعليقات: