الأربعاء، 27 يناير 2010

الإعلام العربي الجديد وأفق التغيير

لم يعد الإعلام العربي في صورته الجديدة حكرا على الأنظمة العربية الحاكمة وعلى الأحزاب السياسية المؤيدة لها أو المعارضة، وإنما أصبح، بفضل نعم التكنولوجيا ومنجزاتها الهائلة في عالم التواصل، متاحا للجميع مثل الماء والهواء.

لقد سقطت القدسية عن الخبر العربي، وتبخرت كل شعاراته الزائفة في أجواء التحرر الإعلامي الجديد، ونزل الخبر المعظم أخيرا عن عرشه من علياء مؤسسات التحرير الرسمية متخففا من قيود الآداب السلطانية وحرج تقبيل أعتاب وأقدام السادة المبجلين، مترجلا يمشي حافيا عاريا في الشوارع ويتوغل في الحارات حتى اعتاده جميع الناس وصار عندهم في حكم المتاع المشاع مثل الخبز اليومي لكل واحد منا نصيبه المنقوص أو الكامل.

وهاهو الخبر العربي اليوم قد صار مطروحا في الطرقات العنكبوتية العامة مكشوفا مفضوحا، يبثه ويلتقطه من شاء بالصوت والصورة والعبارة.
وقلم المداد المنمق الفاخر الذي كتب به مشاهير الصحفيين الألمعيين أعمدتهم الثابتة في الجرائد الوطنية العربية والحزبية، على مدى نصف قرن أو يزيد ما عاد له نفس الأجر ونفس البريق والجاه.

ويبدو أن بعض الحكومات القائمة على شأن الإعلام في وطننا العربي قد استوعبت دروس التحولات الإعلامية الجديدة، فما عادت على الأقل تطيل نشراتها الإخبارية الرسمية كما كان الأمر في السابق، ربما إشفاقا على معدة المواطن العربي المهترئة أصلا من القرحة الموجعة ومن الذبحة القاتلة بسبب الأحماض والتوابل الزائدة عند إعداد الوجبات الإخبارية العربية الرسمية الحافلة بالتدشينات وبالاستقبالات والتوديعات …

ما أسهل اليوم أن تصبح كاتبا في إحدى الجرائد الإلكترونية أو مقدم برامج في إحدى القنوات الفضائية أو مذيعا في إحدى محطات الإذاعات ... فما عاد الأمر يحتاج إلى تكوين خاص أو ثقافة عالية، وربما كان للصدفة العابرة وللعلاقات الشخصية وللتوافق المزاجي بين هذا الطرف أو ذاك أكبر الأثر في إنشاء جريدة إلكترونية، أو قناة فضائية أو محطة إذاعية جهوية أو غير ذلك من الوسائط الإعلامية التي لا يمكن أن تنتعش اليوم إلا بالوصلات الإشهارية المدفوعة الأجر أو تقتات على مكالمات المستمعين أو المشاهدين الفائضة من رصيدهم لدى شركات الاتصال.

وكثير من المحسوبين على الإعلام العربي المرئي أو المكتوب أو المسموع هم اليوم من أشباه المثقفين وقد لا يتميزون كثيرا عن طبقة العوام الأميين…وقد يكفي أن تتابع برامج المنوعات العربية المبثوتة على التلفاز في بيتك أو على المذياع وأنت تقود سيارتك…

وأخطر ما في الإعلام الجديد هو هذه السلطة الخفية التي صار يمتلكها في قلوب الناشئة الجديدة، سلطة تذعن لها النفوس قبل العقول، وتسخر لها كل معطيات التكنولوجيا والبرمجة الرقمية الحديثة التي كثيرا ما تسحرنا وتبهرنا، فتجعلنا من خلال تقنية الفوتوشوب مثلا نرى صورا غير الصور وحقائق غير الحقائق وعالما فسيحا يمتزج فيه الواقع بالخيال، والصدق بالكذب فنذعن ونتغير من غير شعور من داخلنا قبل خارجنا، وفي سلوكنا وحتى في طريقة كلامنا.

لا شك أن دور الإعلام الجديد في تشكيل الوعي لدى عموم الناس يفوق دور كل مؤسسة تربوية عمومية أو خصوصية ويتجاوز بكثير دور الآباء والمربين والدعاة والحكام وكل الوزارات وكل هيئات المجتمع التقدمية أو الأصولية…

قد ينتابك حرج وأنت تتابع بعض برامج التلفزيون مع أبنائك، وقد يفرون من مكانهم حيث يجلسون أمام التلفزيون حرجا في المرة الأولى، وقد تفر أنت أو تضطر إلى تغيير المحطة، لكن من يضمن لك أن لا تنفض أو لا ينفض أبناؤك من حولك في المرة الثانية، إن لم تجد البديل المناسب عند تغيير المحطة أصلا أو أصروا واستكبروا استكبارا…

قد يغير الإعلام الجديد فينا بعض الشيء حبا في مجاراة الركب، ولكن الإعلام الجديد سيغير في أبنائنا كل شيء لأنهم بحكم الزمن سيكونون في مقدمة الركب.

ليست هناك تعليقات: