الثلاثاء، 19 يناير 2010

عندما تتحدث التكنولوجيا بالعربية….!!

مع أن منتجات التكنولوجيا خرساء عمياء في جِبِلتها الأولى، غير أنها تستطيع أن تحس وتبصر وتسمع، وتميز وتؤذي وتنفع. وفوق ذلك كله تستطيع أن تتكلم، كما هو صوت المجيب الآلي الأنثوي الناعم الذي ينبعث قادما إلينا من المجهول عبر الهاتف الثابت أو المحمول.

وقد صارت الآلات اليوم مثل الإنسان؛ فهي محكومة في نظامها بقواعد بيانات معدة سلفا للإيقاف والتشغيل والتهيئة، وهو محكوم بالقوانين والبنود الوضعية في كل أموره الدنيوية، عند اليقظة وحتى أثناء السبات والحلم.

وكثير من المنتجات الصناعية الإلكترونية التي نستوردها بإفراط من البلدان الأسيوية تدعم اللغة العربية، سواء تعلق الأمر ببرامج التشغيل المثبتة في دوائرها وذاكرتها الإلكترونية، أو تعلق الأمر بدلائل الاستخدام المرفقة.
ويمكن أن نضرب المثال بكثير من تلك الأجهزة التي نستعملها في حياتنا اليومية العادية بشكل مستمر؛ كالتلفاز والفيديو والهاتف المحمول والأرضي بالإضافة إلى أجهزة العرض والبث والاستقبال الرقمية الأخرى। هذا فضلا عن عدد هائل لا يحصى من الحواسيب الشخصية المرتبطة وغير المرتبطة بالشبكة العنكبوتية.

وما يثير انتباهي عادة في لغة دليل الاستخدام المكتوبة بالحروف العربية أو في واجهة التشغيل العربية لمعظم تلك الأجهزة المستوردة من البلدان الأسيوية على وجه الخصوص، هو الركاكة زالتشويه.

ولعل أخطر ما فيها من عيوب لغوية التصحيف: ونعني به طبع حروف غير مناسبة مكان الحروف المناسبة، فضلا عن إسقاط بعض الحروف أو تقديم بعضها على بعض وغير ذلك من العيوب المرتبطة بالشكل والمضمون، مما يثير ارتباكا كبيرا في الفهم لدى أي مستخدم عربي، ويولد لديه انطباعا سيئا عن لغته الأم ويضطره إلى اختيار واجهة لغوية أجنبية أخرى أوضح وأسلس كاللغة الفرنسية بالنسبة لدول المغرب العربي، أوالإنكليزية بالنسبة لدول المشرق العربي.
وربما كان عدم وجود مثل هذه الواجهات العربية المشوهة الممسوخة أهون وأسلم من وجودها أصلا.

وأقل ما يمكن أن أقوله عن مختلف الواجهات العربية الرقمية التي اطلعت عليها عبر بعض الأجهزة التي جربت استخدامها من خلال الدليل أو من خلال منصة التشغيل أنها لا تعدو أن تكون ترجمة حرفية ركيكة، مثلها مثل أي ترجمة آلية عشوائية للمواقع والصفحات الإلكترونية، فبعضها مُصيب وأكثرها مَعيب.

ولكن العيب ليس في مصانع آسيا إذا ما اختارت اللغة العربية كواجهة استخدام منقوصة لأجهزتها المختلفة التي تغرق بها أسواقنا، بل العيب فينا نحن لتكاسلنا وتقاعسنا.

ثم إن تلك المصانع ومؤسسات الإنتاج الأسيوية لاتدعم اللغة العربية حبا فينا أو في لغتنا مع جهل معظم الأسيويين باللغة العربية وبعدهم عنا، وإنما الغرض من هذا الدعم الدعاية والترويج والمنافسة الشرشة لغزو أسواقنا وإغراقها المستمر بمزيد من السلع، ما دامت أسواق العرب من أكبر مراكز الاستهلاك الباذخ في العالم.
وإذا، فما هي الشروط الصحية الضرورية لوضع أي برمجة لغوية عربية سليمة؟

هنا يتجلى الدور الكبير الذي يمكن أن ينهض به علماء اللغة العربية ولجان الترجمة والتعريب المختلفة ومعاهد البحث والبرمجة العربية المتخصصة لمد معامل الإنتاج الآلي بالمصطلح اللغوي العلمي المناسب وبالكلمات والعبارات الوصفية الملائمة والمطابقة لقواعد بيانات التشغيل والتحكم الآلي.

فيكفينا كلاما وتنظيرا ونحيبا على لغتنا العربية الجميلة، وقد حان الوقت لمكننتها في معاملنا، وفق ما نريد نحن بما يتلاءم مع شروطنا وأوضاعنا الثقافية والحضارية حتى نثبت وجودنا اللغوي وفاعليته وحيويته، وقدرته على مواكبة الركب الحضاري الجامح، وعلى الإبداع والاختراع.

ليست هناك تعليقات: