السبت، 16 يناير 2010

صناعات التقليد؛ حاجة أم آفة؟.

أسهل ما في تقنيات هذا العصر المعولم على منتجيها إغراق السوق بسلعها، وأصعب ما فيها على مستهلكيها تمييز أصيلها من زائفها…

ولعل أول سؤال يطرحه المشتري العادي اليوم على البائع عندما يقدم على شراء جهاز ما من الأجهزة الصناعية؛ هل هذا المنتج حقيقي أم مقلد؟.
وبما أن البائع يعول في الغالب على غفلة ذلك المشتري وعلى جهله وعلى غبائه أكثر مما يعول على رأسماله، فلا يجد أي صعوبة في إقناع ضحيته بصدق ما يدعيه، إن لم يبعه الزائف بنفس ثمن الأصيل। فيكون الربح مضاعفا بالنسبة للبائع، وتكون الخسارة والخيبة مضاعفتين مثنى وثلاث ورباع بالنسبة للمشترى المغفل.

والغريب أن كل مشتري يقتنع في قرارة نفسه أن ذاك المنتج الصناعي الذي حازه أصيل ما دامت العيوب غير بادية له، وقد يباهي به غيره। ولذلك فهو لا يتراجع إلا إذا أقنعه طرف آخر بعكس ما يدعيه، بتقديم الدليل الدامغ والبرهان القاطع على فساد رأيه وفساد السلعة معا.

ولا تنطلي حيلة التقليد الصناعي على المشترين الجاهلين أو المغفلين فقط بل قد تنطلي حتى على العارفين المجربين، فالسلع المقلدة لم تعد اليوم بتلك الفجاجة التي كانت عليها، بل صارت مثل الأصلية تماما،إن لم تفقها نعومة وصقلا ولمعانا، مما يخطف الأبصار ويعمي البصيرة، ويفرغ الجيب।

فقد استطاعت صناعة التقليد، عن جدارة واستحقاق، وإن لم يعترف لها أحد بذلك، أن تثبت بحزم وقوة في وجه كل الصناعات الأصلية الآلية واليدوية؛ فهي لها بالمرصاد تتحداها وتستنسخ على غرار كل ما تبدعه هي من نماذج أصلية ليس بالعدد المحدود على قدر طلبات الزبناء المحترمين الذين يتعاملون رأسا مع أمهات الشركات العالمية، وإنما بعدد غير محدود يتجاوز الطلب حتى تغرق كل الأسواق الرسمية والعشوائية والشعبية في كل منطقة وفي كل ناحية، فيختلط الحابل بالنابل।

وكثير من الشركات الصناعية العتيدة ذات الماركات التجارية العالمية المسجلة والجودة العالية أصبحت اليوم على حافة الإفلاس بسبب منافسة أوراش صناعات التقليد المنتشرة في معظم الدول الأسيوية، وليس بسبب منافسة الصناعات التقليدية। فهناك فرق شاسع بينهما لأن الصناعة التقليدية مهارة وحذق وإبداع متجدد أما صناعة التقليد فهي نوع من السطو على جهود الآخرين والقرصنة ومحاكاة مطابقة للأصل تدور في فلكه ولا يمكن أن تتعداه.

وليت الأمر وقف عند حدود تقليد المنتجات الصناعية من أجهزة وملابس وإكسسوارات ولوحات وأشياء عديدة تراها مكدسة في كل المتاجر الصغيرة والكبيرة لا تعرف لها أصلا ولا فصلا ولا تحمل أية إشارة أو علامة تجارية॥بل لقد تجاوز الأمر حتى تقليد منتجات الدواء من عقاقير ومستحضرات ومستحلبات، وآلات التطبيب المختلفة، كأجهزة قياس الحرارة والضغط والسكري وغير ذلك مما قد يهدد صحة المرضى ، ويودي بحياتهم।

ترى أي دور للمستهلك البسيط في هذه الدوامة، وهو المغلوب على أمره، همه الوحيد أن يجد منتجا رخيصا للاستهلاك أو الركوب أو الزينة.
ولو توقف الأمر مثلا، على الشركات السويسرية المتخصصة في صناعات الساعات الرفيعة ذات الجودة العالية لبقي أكثر فقراء العالم من غير ساعة يدوية أو حائطية، ولفاتتهم مواعيدهم وفرصهم الموعودة والمنتظرة مع الناس أو مع الزمن।

وكثير من الأوراش الصناعية الأسيوية المختصة بتقليد الساعات السويسرية صارت تصدر منتجاتها الآن بالكيلو وليس بالوحدة، بل وبثمن البطاطا والخيار، إن لم يكن أقل من ذلك।

ولك أن تقيس هذا المثال على ما شئت من المنتجات الصناعية المقلدة الأخرى… فأي رخاء أكبر من هذا يعم مساكين هذا العالم ، ولكنهم يحلمون دوما بمداعبة السلع الحقيقية المخملية الموقعة التي يقتنيها أثرياء العالم، ولو مرة واحدة في حياتهم…!
ــــــــــــــــ
إدراجات ذات صلة

ليست هناك تعليقات: