الثلاثاء، 5 يناير 2010

محو الأثر الافتراضي.

ماذا لو قررت في يوم من الأيام هجر وتطليق العوالم الافتراضية من غير رجعة، وهذا بعد أن تغلق حاسوبك الشخصي إلى الأبد، أو تحطمه في ساعة كبرياء أو غضب، وتجمع كل أجزائه المتبعثرة وأسلاكه المتناثرة في كيس واحد، وتواريه بعيدا في كيس قمامة كجثة هامدة باردة؛ فلا حرارة ولا نبض، ولا وميض ولا صوت.

وهل يكفي لتفر بعيدا عن العوالم الافتراضية أن تشطب اسمك من القوائم البريدية، حتى لا يلاحقك أحد برسائله المؤنسة أو المزعجة أو المستجدية، وتحذف جميع مدوناتك وصفحاتك الرقمية التي ألقيت بعهدتها إلى محرك البحث العملاق كوكل وإلى كل من يدور في فلكه من أناس وأشباح وقراصنة وفيروسات…، حتى لا يعلق على كلامك وهذيانك قارئ مهتم أو متابع مستهزئ أو متطفل مستهتر।

وحتى إذا ما نجحت في هذه المحاولة لاسترجاع بعض ما لم يفتك، فإنك لن تستطيع استرجاع كل ما فاتك افتراضيا؛ أي: إن الذي لم ينقل عنك بعد فهو لازال في عهدتك ويمكنك استرجاعه والتصرف فيه مرة أخرى بالزيادة أو الحذف، أما الذي نقل عنك بعمليات القص واللصق والتشبيك الرقمي المتسلسل المتشعب فقد صار إلى غيرك ولا يمكنك استرجاعه البتة।

إن من يتورط في العوالم الافتراضية كل هذا التورط كاشفا عن وجهه معربا عن حقيقته العارية، ويتوغل فيها كل هذا التوغل بالتدوين الجاد قد يصعب عليه النكوص إلى الخلف والعودة إلى نقطة البداية حيث خط الرجعة، وحيث لا تابع ولا متبوع. فليس ولوج العوالم الافتراضية كالخروج منها إلا أن تكون لصا محترفا في فنون الاقتحام و فك الأصفاد والأقفال الرقمية، أوجاسوسا يتقن علم الفراسة الرقمية عند الرغبة في اقتفاء أي أثر افتراضي لمحقه ومحوه.
وعلى العموم، فليس دخول العوالم الافتراضية اختيارا كالانسحاب منها اضطرارا।

وربما اعتقد البعض منا عند بداية التحاقه بالعوالم الافتراضية أنه إنما أتى إلى هذا الموقع الافتراضي أو ذاك ليجرب إمكانياته التعبيرية والتخييلية في الكتابة لنفسه فقط। لكنه سرعان ما يكتشف أنه قد حلت به العدوى أو بالأحرى عادة الكتابة، وسكنه عفريت البوح والهذيان، وأنه صار يحرق جزء مهما من طاقاته الذهنية والعصبية والانفعالية ليتحف غيره بإدراج مسبوك على إيقاع الحياة اليومية المتجددة، كما هي عادة رشف فنجان شاي أو قهوة.

ولهذا السبب، ربما اعتبر البعض فكرة التدوين من أجل التدوين نوعا من المثالية في هذا الزمن المعولم الموبوء، وقد لا تستحق كل هذا البذل وكل هذا العناء، في وقت طغت فيه الماديات على المعنويات والكماليات على الضروريات وعلت فيه المصالح الفردية على القيم والمثل الجماعية.
ولكن لا بأس، ففي البدء كانت الكلمة، وإن كانت تنبجس من بين الشفاه، واليوم لازالت تلك الكلمة هي الكلمة، وإن صارت تتدفق عبر الأسلاك أو تأتي إلينا من فوق على أجنحة الأثير الافتراضي الشفاف كمطر السماء الذي لا لون له ولا طعم ولا رائحة، أما في المستقبل البعيد فلست أدري على أي حال أو صفة سيكون إيقاع الكلام।

ونأمل في ختام هذا الإدراج أن يكون بعض ما يعلق بالشبكة الافتراضية عبر مدونتنا المتواضعة (كلمات عابرة) من بعض أنواع الكلام الذي نرجو أن يعم نفعه ويقل ضرره على الناس.

ليست هناك تعليقات: