الجمعة، 22 يناير 2010

مفاتيح الولوج الرقمية؛ سِر أم خصوصية…؟!!

هناك في حياة الإنسان الواقعية ما يستدعي التكتم، حفاظا على نوع معين من إيقاع الحياة، وصونا للبيت الأسروي الصغير ولأركان المجتمع الكبير من الهدم في بعض الأحيان، وعونا على قضاء مآرب الدنيا الشخصية بالنسبة للأفراد، في أكثر الأحيان.

ولا حاجة بنا هنا إلى ذكر الحكم وسرد القصص المرتبطة بهذا الموضوع الخطير لأنه إذا ما اشترك في السر الواحد شخص ثان، ولو كان شقيق الروح وتوأم النفس لم يعد بالإمكان أن يقال عنه سرا.

وهناك حدود كبيرة فاصلة بين درجات تملك الأسرار وصونها وبين طرق اكتشافها بالصدفة أو الحيلة، وبين انتزاعها بالغصب والقهر। ويمكن أن نضرب المثال على ذلك بمحاكم التفتيش، وبأجهزة المخابرات في كل دول العالم.

ولك أن نتخيل مؤسسات بهذا الحجم، ترصد لها أضخم الأموال ويعين فيها أعتى وأمكر الرجال مهمتها الأساسية الحفاظ على أكبر أسرار الدولة وانتزاع أخطر الأسرار من الدول الأخرى المتربصة القريبة أو المعادية، ومن الانقلابيين والمناوئين في الداخل والخارج، ومن كل المتهمين والمشبوهين، وحتى من الأبرياء، عندما تختلط الأوراق ويقع الناس جميعهم تحت طائلة س وج …

ولنا في قصة احتلال العراق الشقيق الذي احترق أخضره بيابسه خير دليل على ما نقوله من غير حاجة إلى ذكر التفاصيل المودعة الآن بأمان واحتراز شديدين في البيت الأبيض الأمريكي مستودع كل الأسرار الكبيرة والخطيرة في بلاد العم سام…।

وكما أن لكل فرد أسراره فكذلك لكل جماعة ولكل مؤسسة ولكل دولة ولكل مهنة ولكل ما هو موجود في هذا الكون الفسيح। لأن مجرد وجود شيء ما هو في حد ذاته سر من الأسرار….

ومع أن معظم ما في حياتنا الافتراضية مكشوف مفضوح على ملأ الدنيا كلها إلى درجة العهر والعري المبتذلين، فإن وراء كل موقع أو مدونة أو منتدى أو صفحة إلكترونية سر خطير لا يمكن البوح به أو الإعلان عنه أو التلميح إليه، لأنه بمثابة المفتاح والقفل الافتراضيين بالنسبة لكل بواباتها الصغيرة والكبيرة، عند كل فتح أوإغلاق، وعند كل طي أو نشر…
ونعني هنا بالمفتاح الافتراضي طريقة الولوج لإدراج شيء ما على الشبكة العنكبوتية أو حذفه أو تعديله.
ونعني بالقفل تأمين الخروج النهائي من أي صفحة إلكترونية شخصية، بعد إطفاء الحاسوب ومغاردة مكان الجلوس، دون أن نترك الباب أمام الآخرين مواربا أو مفتوحا على مصراعيه ليدخلوا بعدنا ويحتلوا المنصة والمكان…

وليست المفاتيح والأقفال الإلكترونية مواد صلبة من حديد أو فولاذ، وإنما هي حزمة أرقام وحروف تنطبع على نفس واحدة هي نفس صاحبها، وعلى ذاكرة واحدة هي ذاكرة صاحبها دون غيره من الناس، كما ينطبع (كانون) القفل الوحيد حالة كونه مواد معدنية منصهرة على مفاتيحه الأصلية الأولى التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة عند الصنع…

ولولا وجود منصة الولوج الافتراضية المحمية بالأرقام والحروف السرية السحرية بالنسبة لصاحب لكل مدونة أو منتدى أو موقع أو أي صفحة إلكترونية عادية لعم النهب والسلب بيئتنا الافتراضية، ولما صح لنا أن ننسب كل هذا الكم الهائل من المواقع الإلكترونية لأصحابها الذاتيين أو المعنويين.

ومنصة الدخول الافتراضي المحمية بمثابة الحصن المنيع والجدار المرتفع لتضمن استمرار الحياة الافتراضية بالنسبة لكل المواقع والصفحات الإلكترونية أكبر فترة ممكنة…

ومع الحرص الشديد من قبل المستخدمين للبوابات الإلكترونية عند الدخول إليها أو الخروج منها، فلا يخلو الأمر من المتلصصين والقراصنة والمتجسسين الذين يتتبعون خطوات كل ولوج أو خروج عبر برمجيات القرصنة (الهاكر) قبل كل هجوم أو اقتحام؛ إما لغرض التدمير، وإما لغرض العبث بمحتويات وممتلكات الغير، وأحيانا لمجرد إثبات الذات وتحدي برامج وجدران الحماية العالية التي يرفعها أصحاب المواقع المهمة في وجوه القراصنة وقطاع الطرق الإلكترونية.

ولكن، كثيرا ما تجد بالصدفة أن أحدهم قد ترك بوابة الولوج إلى صفحته الشخصية مفتوحة على المسنجر أو الفيس بوك أو غيرهما من البوابات؛ ويحدث هذا عادة في مقاهي الأنترنت عندما يترك أحدهم مقعده دون أن يحكم إغلاق الأبواب والنوافذ الافتراضية، وكذلك الأمر بالنسبة لأماكن العيش والعمل المشترك، كالإدارات والمصالح العامة والمؤسسات الخصوصية المكتظة بالناس، وحيث يمكن للمدير مثلا أن يترصد ويراقب كل الحركات والمناورات التي يقوم بها الموظفون والأعوان من خلال الحواسيب الموصولة …

وإذا كان من السهل على أي واحد منا أن يختار ما شاء من حروف وأرقام، بعد أن يرتبها بطريقته الخاصة في نفسه، لتكون حزمة مفاتيح ولوجه السرية لبواباته الإلكترونية المختلفة، فإن أصعب ما يلي هذه العملية هو استظهار تلك الحروف والأرقام واسترجاعها بالنسق الأول عند كل مرة.

وإن فقدان سر الولوج إلى المواقع والمدونات والمنتديات أمر وارد ولا يمكن استبعاده لعامل النسيان أو غيره। وربما كان ذلك أحد الأسباب الأساسية لتوقفها، وبقائها على حالة واحدة ثابتة من غير تجديد أو تحديث.

وحدهما النسيان والموت كفيلان بأن يغيرا معالم الحياة الافتراضية في مستقبل الأيام ليغدو جزء كبير منها في حالة توقف أو جمود، إن لم نسلم مقاليد مدوناتنا ومواقعنا وصفحاتنا الشخصية في حياتنا وقبل وفاتنا إلى غيرنا، وتلك قصة أخرى قد لا تكتمل تفاصيلها إلا بعد مرور جيل واحد على الأقل من الآن، ابتداء من هذه اللحظة التي أنهي فيها كتابة هذا الإدراج وأنا على قيد الحياة.

ليست هناك تعليقات: