الخميس، 7 يناير 2010

برج الفيل

أُريد لافتتاح برج خليفة المبهر بأضوائه المتلألئة ومياهه المتراقصة في سماء دبي، أن يكون تأكيدا لعافية الإمارات من كل داء وبلاء.
ثم أليس هذا البرج الشامخ الفخم قلبا وقالبا دلالة كبرى على عافية اقتصاد الإمارات العربية المتحدة!. وكأن تاريخ تدشينه الذي وافق بداية عام جديد إنما جاء ليقطع الطريق على كل ناقم حاسد أو متشكك مرتاب.

وكما هي عادة أثرياء حكام العرب، في شغفهم الشديد بتحطيم الأرقام القياسية في البناء والعدل وتحقيق الرفاهية والديمقراطية لشعوبهم على الأرض وفي عنان السماء، فقد جاء هذا البرج ليكون الأعلى والأغلى في تاريخ كل البروج الإنسانية المشيدة من حجارة وطين، أو من فولاذ مضغوط وإسمنت مصبوب ।

ويتحدث كثير من المعجبين العرب عبر المواقع والمنتديات عن هذا الصرح بزهو وانتشاء عظيمين، وكأننا قد خرجنا للتو من نصر حاسم على العدو الصهيوني، مكن من فك الحصار عن إخواننا الفلسطينيين في غزة إلى الأبد …
والذي حملهم على هذا الزهو الطاووسي أن يكون هذا البرج قد حطم ببهائه الثقيل عشرات الأرقام القيساسية المثبتة بالدليل والبرهان في كتاب جينيس دفعة واحدة مع أنه جامد وثابت في مكانه؛ فيكفيه شرفا أنه ضم أعلى مسجد وأعلى مئذنة وأعلى مسبح وأعلى شرفة و أعلى رواق … وهلم علوا.
وهذا البرج لا يعدو في واقع التخطيط العمراني الحديث، أن يكون شبيها بمدينة عادية راقية، غير أنها تنتصب بالعرض وهو ينتصب بالطول…
ولقد تتبع الناس العاديون مثلي هذه الأعجوبة المعمارية، واجتهدوا في استكناه دلاتها الظاهرة والخفية، وذهب ظني وظنهم بعيدا يضرب أخماسا في أسداس، ويطرح آلاف الأسئلة المحيرة للجيوب قبل العقول؛ فيا ترى كم سيكون الولوج إليها لمجرد إشباع فضول الزيارة، قبل أن يسأل عن ثمن إشباع البطن في أحد مطاعمها الفخمة، وما هو ثمن التملك أو الإيجار، بل كيف هو حال فواتيرها الكهربائية والمائية، هل تحتسب بالشهرية أم باليومية، وكم ثمن احتساء كوب قهوة عادية يصعد بها النادل من تحت أو ينزل بها من فوق، وكم هو ثمن بقشيشه أو بقشيش المستخدم أو البواب…!!,

لقد قرأت كثيرا عن أعجوبة برج خليفة في دبي فتعجبت وتحيرت وتساءلت من غير حسد، من أين وكيف؟، ثم قرأت عن أعجوبة الجدار الفولاذي لمبارك في مصر فأشفقت على نفسي وعلى حالتنا العربية من ثقل الفرقة والفقر والعبث وتساءلت: لم وإلى متى…؟

ولعل أهم ما أثار انتباهي في كل ما قرأته عن برج خليفة أن بعض الدراسات المهتمة بالمقايسة والإحصاء استنتجت أن وزن هذا البرج المدني الترفيهي الاستهلاكي، وحبذا لوكان حصنا عسكريا، يساوي مائة ألف فيل । فيل على فيل على فيل …।
أما جدار الفصل الفولاذي الذي أقامه مبارك بين غزة ومصر فيمتد طوله على نفس مسافة مضيق جبل طارق। ولك أن تتخيل العدد الناتج والفارق॥ وتتخيل عدد الفيلة التي يمكن أن تسد مسد جدار العار هذا.

اللهم أجرنا من ثقل الفيل ومن عام الفيل، ومن كل ثقل إسمنتي أو فولاذي يطحننا أو يقهرنا. فنعيى نحن بإزالته ويشقى أولادنا وأحفادنا ببقائه.

ليست هناك تعليقات: