الخميس، 14 يناير 2010

دبلوماسية الإذلال..!!

ذكر عن أسباب الأزمة الدبلوماسية التركية الصهيونية الحالية قصاصات كثيرة تضاربت حولها الآراء والتحليلات السياسية. وكان أهم حدث بارز فيها تلك الطريقة المُهينة التي استـُقبل بها السفير التركي مؤخرا في تل أبيب؛

ومن مظاهر هذا الاستقبال الممعن في الإهانة والإذلال، على مرآى ومسمع العادي والبادي، أن نائب وزير الخارجية الصهيوني "داني أيالون" رفض مصافحة السفير التركي "أوغوز تشليك غول"، وأرغمه على الانتظار الطويل في الرواق حتى يتمكن أخيرا، وبعد طول توجس وشوق من النظر والتطلع إلى وجهه (العزيز)، وتعمد عدم وضع العلم التركي على طاولة الاستقبال، كما جرى عليه العرف في المراسيم الدبلوماسية مكتفيا بالعلم الصهيوني فقط، بل وأعطى تعليماته بعدم تقديم أي شراب للسفير المسكين، ولو بعد كل هذا الانتظار الطويل وهذه اللهفة…!!

ومما زاد الطين بلة أنه طلب من الصحفيين الذين نقلوا وقائع هذا الاستقبال النادر في تاريخ كل العلاقات الدبلوماسية السابقة، أن يذكروا في تقاريرهم الصحفية أن السفير التركي كان يجلس في وضع منخفض عن مستوى "داني أيالون" ومستوى زبانيته الصهيونية التي كانت تجلس معه في الطرف الأعلى المقابل.

وقد علق السفير التركي المسكين عقب هذا الاستقبال العجيب الغريب، أنه لم يتعرض طيلة حياته الدبلوماسية التي دامت خمس وثلاثين سنة لمثل هذا الموقف الحرج لشخصه ولشخص حكومته التي يمثلها.

وكان من الطبيعي أن يثير هذا الاستقبال الدبلوماسي الغريب حفيظة الحكومة التركية وكل حكومة ديموقراطية تحترم نفسها وكيانها وإرادة شعبها. وقد أرعدت الحومة التركية وأزبدت واهتزت مشاعرها وهددت، وطالبت باعتذار فوري مكتوب يعيد لها الاعتبار ويمحو بعض آثار هذه الزلة الدبلوماسية عن القلوب والنفوس. فاستدعى الرئيس الصهيوني "شمعون بيريز" على إثر هذا التصعيد من جهة تركيا "داني أيالون" وحثه على إرسال اعتذار خطي فوري لنزع فتيل الفتنة، وقطع دابر الخلاف قبل فوات الوقت.

وبوقاحة ونفاق معهودين في سلوك القادة الصهاينة نفى "أيالون" عن نفسه أية نية مُسبَقة لإذلال السفير التركي، وهو وإن كان لا يجد في سلوكه هذا ما يستدعي الاعتذار فهو يعتذر، ويعد فوق ذلك كله بحل كل الخلافات التركية الصهيونية بشكل مشرف.

حقا إنه منطق صهيوني غريب في الاعتذار. اعتذار أكبر من زلة، اعتذار مغشوش، بل اعتذار خبيث ينطوي على فساد نية الفكر الصهيوني العنصري الذي لا يرى لغير الصهاينة اعتبار أو تقديرا.

ولا زالت تداعيات هذه القصة بين شد وجذب بين الطرفين، ولا زال الهرج والمرج مستمرين حول هذه النازلة الدبلوماسية بين كل المراقبين والمحللين السياسيين على كل القنوات الفضائية الدولية.

وربما أرادت إسرائيل من وراء هذه الحادثة الدبلوماسية، أن تعطي المثال لتضرب عصفورين بحجر واحد؛ فالعصفور الأول القريب، هو معاقبة تركيا على كل مواقفها القديمة والجديدة المناهضة لسياسة إسرائيل، ولو تعلق الأمر بمجرد عمل تلفزيوني درامي تركي يتضمن الإشارة من قريب أو بعيد إلى سلوك الصهاينة المعهود في الغصب والاحتلال والاستيطان.

أما العصفور الثاني البعيد، فهو إيران وما تمثله من تهديد نووي، وقد أرادت بمناورتها العسكرية النووية والجرثومية الأخيرة أن توهم العالم بأنها الأدهى والأقوى. غير أن الخبث والمكر الصهيونيين هما في حقيقة أمرهما علامة جبن وخور وضعف، ولنا في درس الحرب اللبنانية الصيفية الماضية الخير اليقين. فلازالت تداعيات تلك الحرب تظهر على سلوك الصهاينة وردة فعلهم بين الفينة والآخرى. وقد تكون هذه الحادثة الدبلوماسية من بعض آثارها وجروحها.


ترى، أين مكان ساستنا العرب، من الإعراب، في هذه الحادثة الدبلوماسية حاليا ومستقبليا؟. لا جواب ولا حس ولا رد حتى الآن. غير أن مضمون هذه الحادثة المرمز والمشفر لا شك أنه قد وصل بوضوح إلى من يعنيه الأمر من حكامنا وقادتنا الأشاوس…. فإياك أعني واسمعي يا جارة.

ليست هناك تعليقات: