السبت، 27 سبتمبر 2008

كوكل في ذكرى عقده الأول


مرت على موقع كوكل عشر سنوات كاملة على ظهوره الأول قبل أن يتحول إلى شركة عملاقة توظف عشرات الآلاف من المبرمجين والمهندسين وتقنيي المعلومات، لتقديم خدمات تقنية رقمية لا حصر لها مجانية أو مدفوعة الأجر في مجال التواصل ونظام إنتاج وتبادل المعلومات الرقمية، ولتكون على الدوام في مستوى روح العصر ومتطلباته التكنلوجية.
وتمتلك هذه الشركة إمكانيات هائلة للتطوير والتجديد والاكتشاف والتوسع عبر ترجمة خدماتها المعلوماتية إلى كل لغات العالم.

وترتبط كلمة كوكل أكثر ما ترتبط في أذهان جميع مستخدمي الإنترنت بمحرك بحث هذه الشركة المفضل عن غيره من محركات البحث الأخرى. وهو محرك بسيط في مظهره عظيم في مخبره سريع في إظهار نتائجه.
وتكاد حياتنا الافتراضية الجديدة في عصرنا هذا، وبكل ما فيها من غث وسمين، أن تختزل في كلمة (كوكل) ذائعة الصيت وفي شعارها المميز الذي يتغير تنسيقه بين الفينة والأخرى حسب فصول السنة وحسب المناسبات الدولية و بعض مستجدات اليومية في حياة كوكل ومشواره التقني.

لقد أصبح كوكل بمثابة ذلك الجسر المتين المعلق في الفضاء الافتراضي البعيد ليربط بين من يُـلقي مواده المعرفية من هنا وبين من يطلبها من هناك، وذلك عبر إدخال الكلمات والجمل المفتاحية في خانة البحث، ثم الظغط على زر البحث لانطلاق الصنارة ثم استقبال نتائج الصيد الإنترنيتي في أقل من طرفة عين مرتبة حسب أهميتها.

وقد بدأت تروج في واقعنا الافتراضي العربي استخدامات لغوية عديدة ذات صلة بكلمة (كوكل)، وتدل على نوع العلاقة القائمة بين المستخدمين العرب وهذا المحرك الخارق العجيب؛
فمن الاستخدامات اللغوية الجديدة السائدة في حياتنا الافتراضية التي يمكن أن تدل على كينونة الفرد الافتراضية وتقيس مدى شهرته على الساحة العنكبوتية قول أحدهم مثلا: (إذا لم تكن تعرفني فابحث عني لدى كوكل) أو (اسأل عني الشيخ كوكل) وغير ذلك من العبارات التي تحوم حول هذا المعنى. فقد أصبحت الهوية الافتراضية تطلب من الشيخ (كوكل) تماما كما تطلب الهوية الشخصية الحقيقية من شيخ الدوار أو مقدم الحومة. وكل المواقع الكبيرة والصغيرة المنتشرة في الفضاء كذرات الغبار لا تكاد تقاس شهرتها إلا بمدى معرفة محرك كوكل بها وبعناوينها الرئيسية والفرعية وبمحتوياتها الداخلية. فهي تترقب دورها بشكل دوري لمرور الشيخ كوكل بها لتصفحها وفهرستها بشكل دوري.

كما أن كلمة كوكل ذاتها بدأت تحل محل كلمة البحث أو الإبحار في الاستعمال اللغوي العربي الفصيح أو الدارج؛ من قبيل قولنا مثلا: (هيا نقوقل) أو (نكوكل) بمعنى هيا نبحث أو نبحر.
ويبدو لي أن كوكل وكأنه قد أصبح في ثقافتنا العربية الجديدة رمزا لذلك الراوية العربي القديم الذي يعرف أخبار القوم وفصلهم وأصلهم وعجرهم وبجرهم.
--------------------
روابط ذات صلة:
رابط كرونولوجيا تطور خدمات كوكل
كوكل في خدمة التدوين باللغة العربية

الخميس، 25 سبتمبر 2008

العوالم الافتراضية الظاهرة والخفية

الجزء الظاهر من عوالمنا الافتراضية كتلة حروف مرقونة مقروءة، وحزمة أصوات مسموعة مسجلة آليا أو مصنعة إلكترونيا، وركام هائل من الفلاشات المتلألئة والزخارف الملونة والأيقونات المختزلة لسلوك الإنسان ومشاعره، وشريط طويل لا بداية ولا نهاية له من الصور الطبيعية الجامدة أو المتحركة الملتقطة لتوها بعين الكاميرا السحرية، أو تلك المزخرفة أو المعدلة أو المُخلقة بوسائل النقش و(الغرافيزم) أو التهجين الإلكتروني إن صح لنا هذا التعبير.

أما الجزء الأعظم المتبقي المتخفي وراء كل موقع أو مدونة أو صفحة شخصية فهو عبارة عن لوغاريتمات وجداول وبرامج مختلفة غير مرئية لتسهيل عمليات الولوج والبحث والعرض والرفع والتحميل والفهرسة والتبويب...، وقواعد بيانات هائلة ومعقدة لتنظيم حركة السير والجولان على الطرقات الإلكترونية السيارة، حتى لا تصطدم المواقع الإلكترونية بعضها ببعض أو تتداخل أو تتدافع؛ فكل موقع إلكتروني يحلق في مداره الخاص كأي كوكب بعيد في مجموعة شمسية أو مجرة فلكية.

ولكثير من تلك البرامج قرون استشعار عجيبة للمقارنة والفرز وتحديد الأهداف وعرض نتائج البحث في سرعة هائلة لضبط المواقع المشبوهة التي أخلت بقانون السير الافتراضي من بين ملايين المواقع وملايير الصور وبلايين الكلمات والحروف قصد تعقب أصحابها الحقيقيين في الوجود الأرضي الحقيقي لاستدعائهم واستنطاقهم ومقاضاتهم على حروفهم أو صورهم أو منمنماتهم وزخارفهم، فضلا عن تثبيت حركة جميع المتصفحين والزوار العابرين من كل فج عميق إلى العوالم الافتراضية في الزمان والمكان المعلومين في بلدانهم وتسجيل بصماتهم الإلكترونية في الدوائر الأمنية السرية الخاصة والحكومية لاستدعائهم أيضا عند اقتضاء الضرورة، ولو لمجرد الالتباس أو الشبهة. فربما وزرت وازرة إلكترونية وزر أخرى.

ويقف وراء هذه الصناعة الإلكترونية الدقيقة بوجهيها الظاهر والخفي رجال هندسة أفذاذ وشركات عملاقة ورؤوس أموال ضخمة. ومن ورائهم الجواسيس والعملاء والقراصنة وقطاع الطرق المتربصون المنتهزون لكل غفلة أو هفوة إلكترونية عند المنعطفات الإلكترونية الحرجة للسطو على الأسرار والخصوصيات بل وحتى الغنائم.

ومهما بلغت العوالم الافتراضية من ضبط ودقة فإنها لا تخلو من العشوائية كعشوائية الموت أو الحرب التي تحدث عنه زهير بن أبي سلمى في معلقته الشهيرة.
ومهما كانت قدرة تلك القواعد البيانية والبرامج الإلكترونية على التحكم في مستقبل ثقافة الإنسان حرفا وصوتا وصورة فإنها لن تستطيع أن تخلق مشاعر أخرى جديدة غير تلك التي عبر عنها أجدادنا الأولون ونقشوها على جدران وسقوف الكهوف التي حمتهم من بطش الطبيعة وبأس السباع الكاسرة والطيور الجارحة.

ومهما اختلفت الوسائل فإن الغايات تبقى في ماضي الإنسان وحاضره ومستقبله هي هي إلا أن يبتدع الإنسان عادة جديدة غير عادة الأكل والشرب والنوم والتغوط، وأنى له ذلك !!.

الجمعة، 19 سبتمبر 2008

بين التدوين والسياسية قيدُ شَعْرة

منصة التدوين كمنصة المطابخ ذات الرفوف والأواني والقدور الكثيرة، وإعداد الإدراجات اليومية كإعداد الوجبات الغذائية الطازجة.

ومبدأ الطراوة هو المبدأ المعمول في التداول الافتراضي تماما كما هو الحال في عالم التداول الغذائي، أو عالم نشرات الأخبار السياسية الحية الساخنة على الدوام غبر قناتي: الجزيرة والعربية.
ومن هنا فإن الخيط الرابط بين التدوين والسياسة رَفيعٌ جدا كالشعرة الواقعة سهوا من رأس الطباخ عند تحريك القدر أو دلك العجين. ومن منا لا يعرف قبعة الطباخ البيضاء التي لا تشبهها أية قبعة أخرى.!!

وفي المطاعم التي تحترم شعور زبنائها المُجتبينَ من عِلية القوم سريعي التقزز والغثيان يصبح حمل تلك القبعة المطبخية العجيبة في شكلها ونقشها ضربة لازب على رأس كل طباخ أو نادل أو مستخدم حفاظا على استقرار معدة الزبناء المحترمين.

وكثير من المدونين يطلقون العنان للوحة مفاتيحهم الإلكترونية من غير قيد أو شرط، ولا يعبأون بما وراءها من خيوط استشعار حكومية ومجسات إلكترونية خفية، ولا يهتمون لأمر القبعات المطبخية ولا العوازل التدوينية الواقية. فيتساقط على صفحات مدوناتهم كثير من الشعر وكثير من قِشرة جلدة الرأس المحموم وبثوره الطافحة المقززة والمستفزة.

لقد أصبحت الإثارة السياسية والدينية والإباحية أقرب طريق لإثارة الانتباه وتمهيد الطريق نحو الشهرة في بيئة التدوين الافتراضي العربي في هذه الأيام؛ والدليل على ذلك أن المدونات التي وجدت لها طريقا إلى نشرات الأخبار أو أقفاص الاتهام والمحاكم العربية هي تلك التي شهَّرت أو حرَّضت أو أخلَّت بالاحترام الواجب في حق رموز السلطة العربية المهيبة.

إن التدوين العربي بعيدا عن شبهة التسطيح والفتنة والإثارة والغوغائية الفجة يبقى من أعقد وسائل التعبير المستحدثة للتعبير عن أزمة غياب التوافق بين ذات المدون ومحيطه العربي، وللتنفيس عن كل ما يختلج في دواخل كل مدون من دواعي القهر المتراكم والمتوارث على مدى أجيال وقرون عدة. ولو تم ذلك التعبير فقط من ريق بعض الكلمات الرصينة الملمحة العابرة من هذا الوقع أو ذاك.

ولا ننسى أن اغترار كثير من المدونين الشباب بشعارات حرية الرأي ومبادئ احترام حقوق الإنسان البراقة المعلبة والمعولمة التي تروج لها الحكومات العربية لتحسين صورتها من الخارج عامل آخر يعزز لديهم بعض الثقة الزائدة التي قد تبلغ بهم حد التهور أحيانا والتمادي في التعبير إلى أقصى منتهاه.

كما أن احتضان بعض المواقع الإلكترونية الكبيرة وبعض الجرائد الإلكترونية لكتابات بعض المدونين الشباب عامل آخر قد ينمي في المدون المنتسب الرغبة في التجريب والمجازفة والمغامرة للظهور والتجلي، ربما اعتقادا منه بأن تلك الجريدة سند قوي لظهره، متناسيا عبارة التنصل وإبراء الذمة الموجودة أسفل الصفحة الأولى لكل جريدة إلكترونية تلتقط الأخبار وتجلب المقالات وأصحابها من كل حدب وصوب.

ومن تابع تفاصيل قصة المدون المغربي الشاب محمد الراجي من الاعتقال إلى المحاكمة إلى السراح أدرك أن حبل السياسة في البلدان العربية قصير جدا وقريب منا جدا كحبل الوريد، وإن لم نشعر بذلك، غير أنه قد يلتف على رقبة أحدنا في يوم مضيئ أو ليل حالك.

وما أثار انتباهي في قصة اعتقال المدون محمد الراجي هو صوره الأولى بُعيد اعتقاله وصوره الثانية عند تمتيعه بالسراح المؤقت ثم صوره الأخيرة بعد تبرئته يوم أمس الخميس 18 شتنبر من عام 2008 الجاري.
وقد كانت ملامح تلك الصور في تلك المراحل المختلفة التي تتراوح بين ضيق وأمل وانفراج مختزلة للمشهد كله وخير معبر عن التفاصيل الحقيقية لقصة هذا الاعتقال الفريد من نوعه في بيئة التدوين المغربية الحديثة.

صحيح أن التفاصيل الحقيقية لهذا الإعتقال ولأوجاعه المكنونة لا يعرفها غير أخينا محمد الراجي، ومع ذلك فقد رشح كثير منها على سيمياء محياه.

وقد تمنى الراجي أن لا يتكرر حدث الاعتقال هذا معه أو مع غيره، كما جاء على لسانه، بعد أن استوعب درس هذا الاعتقال. وربما يكون هذا الاعتقال قد جعله مشهورا ومعروفا أكثر من أي وقت مضى، ولكنه في نفس الوقت قد جعله مكشوفا أكثر من أي وقت مضى، وعليه من الآن أن يحسب لكل خطوة جديدة له في مشوار الكتابة والتدوين ألف حساب، ويغربل كل كلامه بغربال جديد أعمى لا عيون له حتى يمنع وصول شعَره المتساقط إلى عجين مدونته وموادها الكلامية حتى لا تتيهج معدة السلطة أو تتنفض في وجهه من جديد أو في وجوه غيره من طباخي المقالات السياسة عبير المواقع والمدونات. فإياك أعني واسمعي ياجارة.

الجمعة، 12 سبتمبر 2008

ملحمة افتراضية

لك أن تحلق ما شئت عبر السماوات الافتراضية كأي قمر اصطناعي معلق في مداره البعيد بين السماء والأرض ليبث أو ليلتقط أو يتجسس..

ثم لك أن تقع على أي موقع إلكتروني تختاره لترتشف وتتزود وتلصق ما شئت من حروف وكلمات وأصوات وظلال وألوان وصور ثابتة أو متحركة في ذاكرتك الافتراضية، لكن إياك وإياك أن تصطدم بالألغام المدسوسة عند الطرق والمنعطفات الرقمية السيارة، فربما تسبب لغم فيروسي في إتلاف تلك الذاكرة التي طالما عملت على إنمائها شيئا فشيئا بالنسخ والرفع والتحميل.

لقد أضحى أكثرنا اليوم يعول على ذاكرته الرقمية المختزلة في شرائح متناهية الصغر والدقة بدل ذاكرته الطبيعية المودعة في جمجمته بين شحم ولحم، وعظم ودم.
وقديما كان أجدادنا يقللون من شأن الأشخاص الذين يعولون فقط على مطالعة المخطوطات والكتب اقتناعا منهم بأن العلم الحقيقي هو ما وعته العقول وحفظته الصدور ورددته الحناجر عن ظهر غيب، وربما عيروهم بكلمة (صُحفي) أوبما يدخل تحت معناها من كلمات أخر.

أما اليوم فإن مجال التباهي بين كثير من الناس يكاد ينحصر فيما يستطيع أن يحوزه كل واحد منهم من أحدث أجهزة العرض والقراءة الرقمية ذات السرعة العالية ومعدات التخزين الافتراضي ذات السعة اللامتناهية، مع أن كثيرا من الناس الآخرين أيضا لا زالوا يتوجسون شكا وخيفة من العوالم الافتراضية ويأخذون بمعطياتها على مضض، ومن باب الاستئناس فقط. فهل نقول عن هؤلاء إنهم افتراضيون في مقابل من هم صحفيون أو ورقيون، وهل بين ما تحفظه الصدور أو صفحات الكتب الملساء وشاشات الحاسوب المضيئة من فرق؟ المعرفة تبقى معرفة، والشعر يبقى شعرا في الصدر أوفي السطر أو فيما بينهما من وسائط رقمية لا تعد ولا تحصى.

كم مرة في العام تحتاج إلى صيانة أجهزة حاسوبك الشخصي وتجديد أو تحيين برامجه. وربما دفعتك الضرورة القصوى إلى (فرمتته) لتنمكن من تنظيفه وتطهيره من كل الأوضار الرقمية، وتفك عنه أغلال العوالق والطحالب الفيروسية التي كبلت مجدافه وعطلته عن الإبحار، فلربما تجدد له نشاطه وانتعشت ذاكرته المخترقة من جديد...

في كل مرة تذهب فيها إلى أي ورشة لإصلاح الحواسيب لا تجد غير مزيد من الصناديق الرقمية محتلفة الأشكال والأحجام يتراكم بعضها على بعض، وربما لبثت أياما وشهورا في الطابور الرقمي تنظر دورها في الكشف والإصلاح.
آفة حياتنا الرقمية أنها تقف على طرفي نقيض؛ فلا تكتمل دورتها إلا بالبرامج والبرامج المضادة تماما كحياة الناس العادية التي لا تستقيم إلا بوجود الخبيث والطيب والعدو والصديق والعالم والجاهل والمؤمن والكافر وهلم اختلافا وضدا..

كل برنامج إلكتروني يطلب برنامجا آخر أو يدفعه أو يقاومه أو يتجسس عليه. إنها حرب افتراضية لا تتوقف رحاها عن الدوران وضحاياها المتساقطون على أرضها مزيد من الأجهزة الإلكترونية المعطلة والنفايات الرقمية المتراكمة المضرة بالصحة والبيئة، وأبطال هذه الملحمة الرقمية العجيبة من مبرمجين ومهندسين وتقنيين وقراصنة ومستعملين عاديين متوارون خلف أجهزتهم. وهم فقط يكتفون بتحريك أناملهم لضغط الأزرار، ولا يحتاجون إلى سيف أو مسدس أو رشاش للإطاحة برؤوس ضحاياهم ، أو لسلبهم ونهبهم، أو تعريض مصالحهم لأنواع شتى من الأذى والضرر.

يتطور عقل الإنسان وتبقى أفعاله نفس الأفعال، فلا فرق بين التلويح بالسيف أو التهديد بقنبلة، أو فيروس رقمي ما دامت النتائج والآثار السلبية واحدة...

الثلاثاء، 9 سبتمبر 2008

الأطلال والمقابر الافتراضية

مفاتيح الولوج إلى المواقع والمدونات الافتراضية كمفاتح الولوج إلى البيوت الحقيقية. غير أن هذه شفرتها من حروف وأرقام ورموز وتلك مسننات مطبوعة على شفرة المفتاح، وقد قدت من حديد أو برونز. وعهدة تلك المفاتيح تبقى بيدي مالكهما الأصليين ماداما حيين يتمتعان بعافية الذاكرة والجيب وسلامتهما من كل خلل أو ثقب.

والحياة داخل المواقع المبنية ذات الواجهة الخارجية والحجرات الداخلية كالحياة داخل المواقع الافتراضية ذات الصفحة الرئيسية الثابتة والصفحات الداخلية المطوية. وكلا الموقعين في حاجة إلى تحديث مستمر للشكل والمضمون.

وإذا كان مآل البيوت التي أساسها إسمنت وطوب إلى ذوي الحق في الميراث من الأبناء والأحفاد وكل ذوي القربى والشفعة، وهذا بعد أن تطوى صفحة أصحابها الذين أقاموا قواعدها وتخمد حرارة وجودهم في الحياة، فماذا سيكون مصير هذه الآلاف المؤلفة من المواقع والمدونات والمنتديات والصفحات الشخصية بعد أن تخمد أنفاس أصحابها أيضا في الوجود الأرضي وتنتقل إلى عالم الخلود السماوي .

لست فقيها محنكا حتى أطالب بشريعة افتراضية تنظم مسار حياتنا الرقمية، ولكني أكتفي هنا بإثارة أسئلة بديهية أولية ريثما تنضج أفكاري أكثر حول ميتافيزيقا العالم الافتراضي.
ومعلوم أن البيوت إذا هُجرت أصبحت عشا للأرضة والفئران ومأوى للبوم والخفافيش والغربان، ثم لا تلبث قليلا حتى تتداعى سقوفها وحيطانها، وتصبح أثرا بعد عين. وما أخشاه هو أن تزحف الأرضة الإلكترونية على المواقع والمدونات الإلكترونية التي هجرها أصحابها أيضا بسبب المرض وبسبب العوارض الدنيوية الكثيرة أو بسبب الأجل المحتوم.
وأنا هنا لا أتحدث عن المواقع الافتراضية للحكومات والشركات والمؤسسات والمواقع الجماعية فهذه مسنودة ماديا ومعنويا وبعدد لا ينفد من الأنفس التي تعمل كخلية ويمتد عمر بعضها في بعض. وإنما أتحدث عن المواقع والمدونات التي أنشأها أصحابها بمجهود فردي وتعبوا في تأثيثها وتجميلها ما وسعهم الجهد والوقت بالأفكار والمعاني، والتجليات والخواطر.

الآن وقبل أن تستشري عدوى الموت في بيئة المدونين المتميزين بجدهم وجهدهم لابد في الخطوة الأولى من التفكير الجدي في أمرين مهمين:
الأمر الأول هو إنشاء مرصد خاص بالمدونين الأموات على غرار مرصد المدونين الأحياء.
والأمر الثاني هو إنشاء مقبرة افتراضية تحفظ على الأقل أسماء المدونات العربية المشهورة والمغمورة وتنوه بشعاراتها وعناوينها، وتحفظ خلاصة مضامينها المتميزة.

ولتكن هذه المقبرة الافتراضية الجماعية مرتبة ترتيبا أبجديا ديمقراطيا لا يميز زيدا على عمرو، وذلك على غرار كتب التراجم والوفيات التي تزخر بها المكتبة التراثية العربية.

وهذا بعض جهد المقل لإنصاف كثير من المدونين والكتاب الافتراضيين الذين اختاروا أن يكتبوا ويحترقوا في صمت بعيدا عن كل صخب أو غوغائية.

الأربعاء، 3 سبتمبر 2008

درس الصين العظيمة

كان عنوان هذا الإدراج أول الأمر :(درس الصين العظيم) على غرار: (سور الصين العظيم) غير أن المدقق اللغوي الإلكتروني أرسل لي رسالة جانبية يقول فيها لابد أن يتفق النعت والمنعوت في العدد والنوع مقترحا استبدال كلمة (العظيم) بالكلمة (العظيمة) لتصحيح الخطأ، فأذعنت لاقتراحه على الفور.

فلا شك أن أمة الصين أمة عظيمة ليس فقط بعدد سكانها الهائل الذي يناهز المليار ونصف بل بفاعلية هذا العدد الضخم وقدرته على الإنتاج والعمل وصناعة حياة صينية عصرية متجددة ومحافظة على كل تقاليدها الروحية الموروثة، ليس فقط داخل حدود سور الصين العظيم بل خارجه أيضا.

فكل ما يمكن أن يخطر على بالك من منتج صناعي صار مستنسخا بالآلاف في المعامل والأوراش الصينية من الإبرة حتى الصاروخ كما يقال، وحتى البلغة المغربية التي طالما افتخر بها الصانع التقليدي المغربي استنسخها الصينيون بالآلف المؤلفة وأغرقوا بها الأسواق المغربية كما أغرقوها من قبل على عهدنا نحن عندما كنا صغارا بالسروال الأزرق الصيني وبالحذاء البلاستيكي الأبيض الشفاف (الصندالة) الذي كان يصلح لكل أيام الشتاء والصيف، هذا عندما كان الشتاء شتاء والصيف صيفا..

فكرت في الأمر جديا بعد أن تابعت دورة بيجين الأولمبية التي شهد بحسن تنظيمها القاصي والداني، والتي كانت دورة صينية بامتياز شكلا وروحا وحصادا، وبعد أن تناهى إلى سمعي عزم الصين على إرسال سفينة فضائية مأهولة إلى الفضاء الخارجي في الأيام القليلة المقبلة، وقلت في نفسي: لو كانت أمتنا العربية بهذا الحجم السكاني الهائل، وعلى ما نحن عليه من التخلف والشقاق والخنوع والركون إلى السلامة وحب الاستهلاك والاقتتال مع قلة العمل لكان واقعنا أسوا مما هو عليه الآن بأضعاف مضاعفة..

أمة الصين العظيمة هذه تكدح وتعمل ويكاد لا يسمع لها حس أو ركز، وأمتنا نحن تكتفي بإرخاء ذيولها اختيالا وغرورا وقد صارت كالرحى تملأ الفضاء ضجيجا ولا ترى لها طحينا...

وشهر رمضان الذي هو في الأصل شهر المجاهدة والجهاد والعمل والتزود قبل أن يكون شهرا للصوم قد تحول إلى شهر متعة وطرفة واسترخاء وفرجة حيث يكاد شهر رمضان أن يختزل داخل كل بيت عربي في مستطيل الشاشة.