الجمعة، 14 مارس 2008

مسلك المدونين في وضع العناوين؛ الورقة الأولى

من يطالع عناوين المصنفات والكتب التراثية العربية القديمة، على اختلاف تخصصاتها الدينية والشرعية والعلمية والأدبية، يلمح مدى حرص أسلافنا عند الكتابة والتأليف على وضع العنوان المناسب في المكان المناسب.

وبما أن العنوان هو أول ما يطالع القارئ فقد أوجبوا على أنفسهم العناية الشديدة به، واشترطوا مطابقته لمضمون الكتاب قدر الإمكان، كما أظهروا عناية خاصة بتنسيقه وتنميقه وإخراجه حتى يثير فضول القراء ويجلب انتباههم ويلوي أعناقهم. وقديما قيل: ( يقرأ الكتاب من عنوانه)، وقيل أيضا: ( علامة الدار على باب الدار).

ولكن، كثيرا ما نصاب بالخيبة عندما ندخل بيوتا يكون ظاهرها غير باطنها، أو عندما نكتشف أن العناوين التي أغرتنا ببريقها ودفعتنا إلى شراء كتاب وتصفح موقع أو مدونة قد بنيت على الغش والخداع والتضليل الذي لا يُجني منه غير الفراغ المزوج بالحسرة والخيبة على ما ضيعناه من الوقت والجهد عند التصفح والقراءة، (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا) سورة النور/ آية 39.

وليس العنوان في دلالته العامة إلا اختصارا مصغرا ومركزا للتفاصيل الكبيرة التي تكمن خلفه في صفحة أو في مجلدة أو في موقع أو في مدونة، وكما هو الحال أيضا في كل قصة أو مسرحية أو مسلسل درامي أو حتى في شريط أخبار منسدل أسفل الشاشة. إنه النواة الصغيرة التي تتأصل منها الشجرة الكبيرة، وومظة البرق السريع الخاطف الذي يسبق تدفق الغيوم المنهمرة.

أما قصائد الشعر العربي القديمة التي خلت من العناوين فقد كان بيتها الأول لها بمثابة العنوان. وكان الشعراء يعتبرون افتتاحية القصائد كالمفتاح بالنسبة لكل الأبواب الموصدة؛ فإذا وقع هذا المفتاح السحري العجيب بيد الشاعر تحرر من عقاله وانطلق يعدو في رحاب القول والإبداع بكل طلاقة وعفوية وحرية.

وأما إذا بدأ الشاعر قصيدته من غير افتتاحية مناسبة فإن ذلك يعتبر هجوما غير لطيف على الموضوع؛ كمن يعمد إلى اقتحام بيوت الناس من غير استئذان: إما بكسر الأقفال وفض الأختام وإما بقلع الأبواب وهدم الحيطان أو نسف البيوت من الأساس عنوة وغصبا، كما فعلت أمريكا في العراق عندما محت كثيرا من العناوين الحضارية والتراثية التليدة لهذا البلد المستباح.

وكل واحد منا اليوم في واقع هذه الحياة الافتراضية الجديدة يسعى غاية جهده ليظهر بضاعته التدوينية وخبرته المعرفية والتقنية عند أحد منعطفات الطرق الرقمية السيارة.

وقد غدت المدونات الإلكترونية بمثابة تلك الحوانيت المصفوفة بزخرفها وتلألئها من الخارج، وبضائعها المكدسة على بعضها البعض في الداخل. لكن، ليس على الرصيف الأيمن أو الأيسر من الإسفلت وإنما على طول تلك المسارات الرقمية العالمية المتشابكة.

والقراء والزوار الافتراضيون هم من يعبرون جيئة وذهابا تلك الشوارع الافتراضية العجيبة المتوهجة أيضا بالأضواء والألوان والشعارات والوسوم والممتدة بلا بداية ولا نهاية. وكل واحد منهم يقتفي أثرا لعنوان ما يفتح له إمكانية الجواب عن سؤال أو الوصول إلى هدف إو إلى فهم رأي أو قضية. ومنهم من جاء ليقطف ويملأ السلال، ومنهم من جاء للنزهة العابرة والتملي بطلعة عناوين المدونات وسحنة المدونين البهية وغير البهية.

وعلى العموم يمكن أن نعتبر عناوين المدونات العربية من أهم المداخل الأساسية أيضا لمعرفة وقراءة واقع المدونات العربية من عناوينها الدالة أو غير الدالة، الصحيحة والزائفة.

وإذا فما هو مسلك المدونين في وضع العناوين؛ سواء تعلق الأمر بأسماء المدونات نفسها لحظة ولادتها من رحم فكر صاحبها، أو بعناوين تصنيفاها الجانبية ومحتوياتها الداخلية، وهل يستند المدونون في ذلك إلى خطة مرسومة وترتيب محدد أم أن الأمر متروك لمزاجهم المتقلب ولمحض الصدفة. هذا هو موضوع الورقة الموالية، أما هذا الإدراج فلم يكن إلا إشارات أولية.
———–
إدراجات ذات صلة:
التدوين العربي بين الخفاء والتجلي

ليست هناك تعليقات: