الخميس، 31 يوليو 2008

السبت، 12 يوليو 2008

من وحي البريد المزعج


التراسل بين الناس قديم قدم الحواس الخمسة المركبة فيهم خِلقة وجبلة. فكل واحدة من تلك الحواس نظام كامل معقد لبث إشارة ما واستقبال أخرى.

وكما لكل حاسة القدرة على فرز الإشارة وتفكيكها وتحليل معطياتها فلها القدرة ذاتها على ترميزها وإخفائها بحيث لا يستطيع فك مجاهلها إلا من أُعطي مفاتح الفهم السرية الأولى لها...

ولم تكن اللغة الشعرية عبر كل العصور الماضية إلا اختزالا منظما لفوضى عوالم المسموعات والمرئيات والمشمومات والملموسات وكل أصناف المذاق الحلو والمر وما بينهما من وسائط لا تعد ولا تحصى.

وستظل هذه اللغة الشعرية على الدوام أهم مرفأ تفرغ فيه البشرية حصاد مدركات حواسها الإنسانية الأولى المتدفقة كجدول رقراق مهما بلغ شأنها من تقدم علمي وتطور آلي تقني...

ومعول الناس الأول عندما يكونون في القرب على حواسهم عندما ينصت بعضهم إلى بعض أو يهمس بعضهم إلى بعض أو يرنو بعضهم إلى بعض أو يتنسم بعضهم عطر بعض ... ولكنهم إذا ما تباعدوا وحل بينهم البين وأطبقت عليهم غيوم الصمت لم يجدوا عن أنظمة البريد والتراسل المستحدثة بديلا.

ومع أن للرسائل المكتوبة بخط اليد قيمة حسية وإنسانية أكبر لأنها تحمل أجزاء من أثر صاحبها: مداد قلمه، وشكل خطه بكل تعرجاته ومنحنياته، وبصمة يده، وربما شذى عطره، وربما بعض خصلات شعره المتساقط داخل المظروف، وطابع البريد لدولة المصدر، وغير ذلك مما يجمل الاحتفاظ به لتأكيد العهد وتوثيق الذكرى...

غير أن انتقال الناس في هذا العصر إلى نظام البريد الإلكتروني الآني يكاد يعصف بمخلفات أنظمة التراسل القديمة، وتكاد صلة الناس بالأقلام وبالطوابع والطرود والأختام البريدية تنقطع ...وتحولت كثير من مصالح البريد الحكومية التي كانت تسهر على تأمين وصول مراسلات المواطنين إلى وجهتها المعلومة إلى ما يشبه الدكاكين لبيع أجهزة الهاتف الثابت والنقال واستخلاص فواتير الاتصال...

ومع الأسف فإن ما يضير مستخدم البريد الإلكتروني رغم حسناته الكثيرة أن يجد نفسه مضطرا في كل يوم إلى كنس بريده وتنظيفه من الرسائل المزعجة التي تكون كثافتها في بعض الأحيان في حجم كثافة الصراصير المتكدسة عند نهاية البالوعات القذرة. فعدد الرسائل المزعجة يفوق في العادة الرسائل المرغوبة بمقدار ثلاثة أضعاف أو أكثر، وإذا تهاون أحدنا في تنظيف بريده لبضعة أيام معدودة فقط فسيجد أن رسائله المحفوظة قد التهمتها تلك الصراصير الإلكترونية وصارت في خبر كان....

لقد أصبح إرسال البريد المزعج تقليدا إلكترونيا لا يقوم به الأشخاص المحترفون لمهنة اللصوصية والتسول الإلكترونيين فقط، بل تقوم به كثير من الشركات الافتراضية الوهمية التي تدس ملايين الرسائل المزعجة معترضة بريد الناس لتستغفلهم وتبيعهم الوهم تارة باسم شركة القمار واليانصيب التي تعد صاحب البريد بالربح الوفير وكأنه الوحيد المعني بالاهتمام، وتارة باسم شركات مزورة لبيع الدواء ومواد التجميل وغير ذلك مما له صلة بعالم الرذيلة ومستلزماتها....

وإذا كان هذا هو حالنا اليوم مع البريد المزعج بعد مرور ثلاثين سنة على إرسال أول رسالة مزعجة غير مرغوبة في الثالث من شهر أيار/ مايو عام ثمانية وسبعين من القرن الماضي . فكيف سيكون واقع بريدنا الإلكتروني بعد مرور ثلاثة عقود أخرى من الآن؟...
________________

إدراجات ذات صلة:
قصص التراسل والمراسلة بين الأمس واليوم

الثلاثاء، 8 يوليو 2008

اللغة العربية وعداوة مُـثقفيها لها

مما ابتليت به اللغة العربية عداوة مثقفيها لها. وقد ظهر هذا العداء منذ وقت مبكر من ظهور الحركات الشعوبية زمن الأمويين والعباسيين، كما هو واضح في شعر بشار وأبي نواس وفيما يحمله فكرهما من تحامل وضغينة لكل ما هو عربي إلى درجة قد تصل في بعض الأحيان إلى الازدراء والسباب والشتيمة.

ثم تولد هذا الابتلاء بصورة جديدة ملفتة للنظر مع قدوم المستعمر الغربي وحلوله بقضه وقضيضه على أرض العرب خلال القرن الماضي.

فعندما ربطت الطبقة الجديدة من المثقفين العرب (الأنكلوفونيين) و(الفرانكفونيين) وجودها بوجود المستعمر ورهنت مصالحها بمصالحه كان من الطبيعي أن تفك ارتباطها بالأصل وأن تعلن القطيعة مع ماضيها العربي وتجاهر بالانسلاخ من جلدها الأول لتحل فيها روح الكيان المستعمر بالكامل لأنها ألفت الرضاعة والنهل من أثدائه.

ومن الأسماء الثقافية المنسلخة التي ينبجس لبن العنصرية الغربية البغيضة من بين شفاهها وعلى أسلة أقلامها نذكر سلامة موسى وعبد العزيز فهمي وسعيد عقل وغير ذلك من الأسماء التي خفقت أعلامها وشعاراتها، وعششت وفرخت في الجامعات والمعاهد، وخلقت لنفسها أتباعا وتلاميذ ونظريات قائمة الذات مسنودة بالدعم المادي والمعنوي وبمباركة المرجعيات الغربية الدينية والفكرية والإيديولوجية والفلسفية، وحتى الفنية والأدبية والإنسانية والحقوقية…

فهاهو سلامة موسى المصري يعلن دونما خجل أو مواربة عن رغبته العارمة في التنصل من الانتساب العربي المشرقي للالتحاق بالنسب الغربي الشريف، وقد بلغت به الجرأة حد المطالبة باستبعاد ثقافة العرب وما يمت إليها بصلة عن مجالات البحث والدرس، يقول: كلما ازدادت معرفتي بالشرق زادت كراهيتي له ...، هذا هو مذهبي الذي أعمل له طول حياتي سرا وجهرا، فأنا كافر بالشرق مؤمن بالغرب ...إن الاعتقاد بأننا شرقيون قد بات كالمرض ... وليس علينا للعرب أي ولاء، وإدمان الدرس لثقافتهم مضيعة للشباب وبعثرة لقواهم ...

وها هو ذا سعيد عقل اللبناني يطالب بكتابة اللغة العربية بحروف لاتينية، على غرار صنيع كمال أتاتورك عندما أدار ظهره للعرب وللخط العربي، كما مر معنا في إدراج سابق تحت عنوان:
محنة اللغة العربية مع أساليب الدردشة و (التشات) ...!!

وعلى العموم، فقد كثرت الدعوات وتناسلت الاتهامات التي تمس كيان الشرق الثقافي واللغوي، وطبيعة الرجل الشرقي ونمط تفكيره وسلوكه حتى صار موضع نكتة وطرفة وسخرية في الأدب الغربي وفي إنتاجه الإعلامي التلفزيوني والسينمائي، وحتى في لوحات الرسم والكاريكاتور....

أما اليوم، وبعد أن دخلت أمريكا على هذا الخط العدائي منذ أحداث أيلول سبتمبر المشئومة، فقد جعلت لعدائها لونا جديدا مموها لا يكاد يُرى لمعظم الناس لأنه مخبوء تحت شعارات حالمة منسمة بعطور الحرية والديمقراطية المزعومة التي تدفقت على العالم العربي من بلاد العم سام البعيدة جدا عبر البوارج وحاملات الطائرات. وهنا مكمن الخطورة عندما يكون العداء المبطن معززا ومؤيدا بقوة السلاح.

فقد أرادت أمريكا أن يكون احتلالها للعراق الشقيق مصحوبا باختراق آخر مواز كاسح للعقل العربي وللنفوس العربية من الداخل. وهي، بعد أن أرست ترسانتها العسكرية وأقامت قواعدها الجوية والبحرية والبرية في منطقة الخليج، أرسلت على الشعب العربي كله مددا هائلا من القنوات السمعية والبصرية من فوق عبر بوابات السماء لتعيث فسادا وخرابا في وجدان الأجيال العربية الصاعدة، ولتعيد تشكيلها وقولبتها كما تشاء...

إن ما يبث على مدار الوقت والساعة على محطات (سوا) الإذاعية المبثوثة في كل ربوع الوطن العربي، وقنوات (الحرة) وبعض القنوات الأخرى المحسوبة على أمريكا نهجا وأسلوبا كمجموعة كقنوات ( إم بي سي) وأبو ظبي ودبي وغيرها من برامج التلفزيون الحوارية وبرامج تلفزيون الواقع الأمريكي ومسلسلات وأفلام هوليود وحتى والوصلات الإشهارية للعطور ومساحيق التجميل الأمريكية فضلا عن أجبانها وألبانها ووجبات أكلها السريعة... كل هذا بدأ يؤتي ثماره الخبيثة في وسط كل أسرة عربية من حيث تدري أو لاتدري على مستوى العادات والطباع الجديدة وعلى مستوى اللباس والأكل... والأخطر من ذلك أن يكون التغيير على مستوى الفكر والوجدان.... فهل منا من يتعظ أو يقاوم وينتفض...؟ !!

الجمعة، 4 يوليو 2008

الصيفَ ضيعتِ العربُ الغاز َوالبترولَ


أصل عنوان هذا الإدراج من المثل العربي المشهور: (الصيف ضيعتِ اللبن ).
وقيل في قصة هذا المثل: إن امرأة عربية جميلة تدعى دختنوس بنت لقيط بن زرارة تزوجت رجلا مسنا ذا مال كثير، ثم اختلفت معه فطلقها في وقت كثرة المرعى ووفرة اللبن. وكان أن تزوجت تلك المرأة بعد طلاقها شابا جميلا فقيرا. فلما جاء الصيف اشتهت اللبن غير أنه لم يكن متوفرا إلا عند زوجها السابق، فأرسلت إليه متوددة في طلبه لكنه أبى وقال قولته هذه التي صارت مثلا يجريه العرب على ألسنتهم كلما ضيع أحدهم الفرصة من بين يديه، فإذا طلب حصول تلك الفرصة المنفلتة مرة أخرى لم يسعفه القدر ولم يواته الحظ ولم يجن إلا مرارة الخيبة وحسرة الندامة.

ولهذا المثل دلالة رمزية عميقة لا تفقد صلاحيتها في كل عصر. فيكفي أن نعوض مادة (اللبن) الواردة في المثل بما يماثلها في كل عصر وأوان من اللوازم الضرورية لحياة الناس، كالصحة والتعليم والحقوق والتنمية قبل الماء والخبز، وقبل الغاز والبترول، وقبل السيف والمدفع الرشاش وحتى قبل معامل تخصيب الذرة والقنبلة النووية...

فالأمر نفسه ينطبق على البترول ومشتقات الطاقة الطبيعية الأخرى الآخذة في النضوب. وهاهو مخزون النفط العربي قد أشرف على النفاد دون أن يتحقق للشعوب العربية المغلوبة على أمرها الحد الأدنى لمطامحها الطبيعية في العيش البسيط الكريم الذي أقصا طرفيه: رغيف خبز وقدح ماء، بله أن تتطلع إلى ما فوق ذلك مما تحقق لدى كثير من دول هذا العالم من الرفاهية والديمقراطية وتطور التعليم وازدهار التقنية رغم أن كثيرا من دول الصفوة في هذا العالم لا تملك بئرا واحدة للغاز أو البترول ولا منجما واحدا للذهب أو الفضة ولا حتى للنحاس أو الحديد..

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة ثمن برميل البترول بشكل جنوني في هذه الأيام لتمتلئ خزائن حكوماتنا العربية الريعية بالمال الذي يحفزها على مزيد من الإسراف في البذخ والعيش المخملي الرطب الناعم تزداد يبوسة المواطن العربي وجفافه إلى حد الانكماش، ويتضاعف شقاؤه بلعنة البترول وتوابعه؛ فلم يصب المواطن العربي من كل هذا البترول المتدفق حتى اليوم إلا ذلك الدخان المتراكم في جو السماء الذي يستنشقه عبر عوادم السيارات والعربات ومداخن المصانع والمعامل ليملأ خياشيمه بالسخام ويعرضه لأمراض تنفسية مزمنة. فيكون حاله كحال من يجالس صاحب الكير؛ فإما أن تتسخ ثيابه بالدخان أو تحترق بشرر النار المتطاير.

الخميس، 3 يوليو 2008

صورة المقال المنشور في جريدة (دليل الأنترنت) المغربية


اضغط الرابط أسفله لقراءة المقال بصيغة pdf
1215114715.pdf
أو الضغط الرابط التالي لقراءة المقال الأصلي على المدونة
قطوف تدوينية: (الجزء الأول)

الثلاثاء، 1 يوليو 2008

التدوين كأفق جديد للتنفيس وإثبات الوجود


ليس الواقع الافتراضي إلا نسخة ثانية حديثة لواقع إنساني حقيقي راسخ على الأرض رغم إنكار المنكرين وجحود الجاحدين الذين لازال بعضهم يتوجس خيفة من محتوى ومضمون العوالم الافتراضية إلى درجة قد تجعله أحيانا لا يطيق الاقتراب من الحواسيب الإلكترونية التي تعتبر لوحة المفاتيح منها بمثابة منصة التحكم والقيادة في حركة السيارة عند الانعطاف أو المناورة، كما أوضحنا ذلك في إدراج قديم تحت عنوان الجَفْوَةُ الرقمية .

وعليه فإن العوالم الافتراضية، وإن كان موقعها في الأثير المعلق بين السماء والأرض، فهي ليست معزولة عن الأرض كما قد يتوهم البعض؛ فكل ما في العوالم الافتراضية من مواقع ومدونات ومنتديات يعمل في الحققية تبعا لحركة أصحابها في حياتهم الخاصة المتقلبة بين صبح ومساء، وبين صحو ونوم، ووفق أمزجتهم ونواياهم، وحسب تكوينهم الحسي والجسمي والعقلي والنفسي.

وقد بلغت العوالم الافتراضية في هذه الأيام حدا هائلا من الكثافة والتكدس والامتلاء رغم أن بداية رحلة الناس إلى هذه العوالم الأثيرية كأفراد طبيعيين أو معنويين ممثلين في شركات ومؤسسات وهيئات خاصة أو عامة، حديثة العهد. إذ لم تمهد سبلها الإلكترونية المعقدة ولم يتح استخدامها للخاصة والعامة على نطاق واسع عبر شبكات الاتصال الأرضي والفضائي إلا مع بداية هذه الألفية الثالثة.

ومن يلج العوالم الافتراضية اليوم يشعر كأنها قد بلغت من العمر عتيا، أو كأنها قد تكونت مع بداية تكوين الأرض في زمنها الجيولوجي الأول. فكل ما يخطر على بالك من هواجس وصور وأفكار تجده مطويا بين ثنايا ها وأكثر.

غير أن ما يميز العوالم الافتراضية عدم وجود حد فاصل بين الأمكنة والأزمنة فيها، لأن وسائلها عند السفر أو الإبحار في أعماقها أشبه ما تكون بسفينة الزمن التي تمكن من اختراق حاجز الحقب التاريخية صعودا ونزولا، كما في أفلام الكارتون الحالمة وسينما الفانتاستيك الخيالية الجامحة.

وبما أن وجود الناس على الأرض محدود بضيق المكان وبضيق الأفق وذات اليد وقهر الزمن والسلطة، فقد أصبحت العوالم الافتراضية ملاذا مثاليا للبوح والتعبير في عالمنا العربي كما في العالم أجمع، سواء بالرمز أو بالصوت أو بالصورة المتحركة أو الثابتة، وسواء باللغة العادية المباشرة أو باللغة المجازية الشاعرة.

وعليه، فإن ما يميز العوالم الافتراضية أكثر أنها صارت الأفق الأرحب المتاح اليوم للتنفيس أكثر من قصيدة أو لوحة أو فصول مسرحية أو مثل أو حكمة أو خرافة رمزية.

وقد لا يهم اليوم أن تبحث عن خل وَفِـيٍّْْ عز وجوده في هذا العصر لتفرغ على مسامعه همك وحزنك، أو عمود جريدة لتلقي لديها ببعض عجرك وبجرك بعد التمحيص والتنقيح لكل ما من شأنه أن ...
يكفي أن تفتح موقعا صغيرا أو مدونة أو تنشئ هوامش افتراضية مفتوحة أو مرموزة تثبت أو تمحي فيها في كل يوم ما تشاء.
ومن تابع معي مخاض كتابة هذا الإدراج من أوله إلى نهايته عرف كم عدد الخربشات التي حذفتها والتعديلات التي أضفتها حتى استوى على هذا الشكل النهائي الذي أرسلته على الشبكة العنكبوتية.

وأنا بعدما مارست التدوين واختبرت خباياه ومشاقه لا أنكر على نفسي ما أستشعره في كل يوم من متعة خاصة عندما أتمكن من إضافة إدراج جديد، ولو كآخر إشارة مني على آخر وجود لي موثق أسفل آخر إدراج باليوم والساعة والدقيقة والثانية.

أشعر كأن عقارب الوقت هي التي تكتبنا وتدوننا لا نحن، أوكأن أناملنا الصغيرة هي وسائلها في ذلك. ولو توقفت أناملنا عن النقر وعيوننا عن مصافحة شاشة الحاسوب لانتفى جزء مهم من حقيقة وجودنا في هذا العصر الذي كلما اتسع وتعولم إلا وضاق وازدحم.