الأربعاء، 21 مارس 2012

التقنية الرقمية “اللوحية”.


لعل أول ما يلفت النظر في دنيا التواصل الرقمي هو تقلص حجم الأجهزة المعدة لهذا الغرض يوما بعد يوم، بحيث لم تعد تحتل إلا مساحة صغيرة من غرف الجلوس أو العمل أو النوم. وفضلا عن ذلك فهي تلتقط بأصابع اليد الواحدة وتنقل من كف إلى كف وتندس بين الأوراق داخل المحافظ اليدوية وحتى في الجيب، بكل سلاسة وانسيابية لترافق الناس في كل أوقاتهم وفي جميع أوضاعهم وأحوالهم.


وهذه الأجهزة الرقمية التواصلية، على صغرها، لم تعد أحادية المهام؛ بل أصبحت لها وظائف عدة متداخلة ومندمجة ومتفاعلة؛ فجهاز التلفاز، على سبيل المثال، الذي صار في شكله الجديد أشبه ما يكون ببرواز حائطي أنيق ونحيف، لم يعد مقتصرا على الاستقبال فقط، بل مشغلا لكثير من الوسائط السمعية والبصرية أيضا، ومرتبطا بخدمة الإنترنت، ومتفاعلا مع كثير من الأجهزة الأخرى الموجودة بالبيت أو بالفضاء الخارجي عبر أنظمة الاستشعار المختلفة.

أما الهواتف النقالة فصارت لها مهام أكثر تعقيدا وتداخلا واندماجا، لجمعها بين وظائف التلفاز من جهة ووظائف الحاسوب التقليدي المعروفة ووظائف الوسائط السمعية البصرية على اختلافها وتنوعها أيضا، مع قدرة متزايدة على الحفظ والتخزين…


وقد أوجدت البيئة الرقمية لنفسها مصطلحات جديدة لوصف كثير من أجهزة الاتصال التي غدت نحيفة أكثر من أي وقت مضى؛ ولعل أبرزها:


مصطلح: "الكفية" نسبة إلى الكف. وهو مصطلح قديم وقد أطلق على نوع خاص من الهواتف المتطورة أو "الذكية" التي زودت بكثير من خدمات وبرامج الحاسوب التقليدي المعدلة تعديلا خاصا يتلاءم مع طبيعة هذه الأجهزة وسرعتها في الإقلاع حتى غدت في نهاية المطاف تنافسها منافسة قوية، وخاصة فيما يخص برامج تحرير النصوص وعرضها وبرامج الإبحار في الشبكة وبرامج تحرير الصور وتشغيل الفيديو والألعاب، وغير ذلك من البرامج التي لا يمكن أن تعد أو تحصى…


أما مصطلح "اللوحية" فنسبة إلى مستطيل لوحي أملس. وربما سميت الأجهزة "اللوحية" كذلك لأنها الأنحف من حيث السمك، وإن كانت مستطيلاتها أعرض مقارنة بحجم الهواف النقالة العادية أو سمكها أيضا أو حتى وزنها، كما أنها لا تتوفر على أزرار ناتئة، باستثناء زر التشغيل الذي لا يكاد يرى من الوهلة الأولى.


إن طفرة الأجهزة الرقمية اللوحية التي تذهلنا اليوم بأناقتها ونحافتها مثل طفرة الهواتف النقالة التي أذهلتنا في وقت سابق قد ناهز العقدين، مع قياس الفارق طبعا…


وإن الانتقال إلى تقنية العرض اللوحي النحيف الرشيق من حيث الشكل قد رافقه في نفس الوقت تطوير مذهل على مستوى مضمون هذه الأجهزة وتطبيقاتها المتنوعة التي تغطي كثيرا من جوانب حياتنا العلمية والثقافية والاجتماعية والرياضية والترفيهية وحتى الطبية والنفسية وغير ذلك. هذا فضلا عن أدائها العالي مما يجعلها فعلا أكثر اقترابا من المسطح الورقي الذي سجل عليه أجدادنا آمالهم وآلامهم ونقوشهم ومنمنماتهم التي خلدت نظرتهم إلى الكون من حولهم.

وربما لن يكون، في مستقبل الأيام، فرق كبير فرق بين هذه الأجهزة اللوحية وبين أية قطعة ورقية عادية عندما ستصبح قابلة للطي أيضا مثنى وثلاث ورباع لتندس هي الأخرى كما تندس الأوراق والهواتف العادية في الجيب….


وفي نهاية المطاف، ليست كل هذه الأجهزة الرقمية القديمة منها والجديدة إلا امتدادا لرأس الإنسان الصغير بما يشتمل عليه من مخ وسمع وبصر، ولوعيه بذاته وبالعالم من حوله، عاقلا أو مجنونا، مذهولا أو مفتونا..

ليست هناك تعليقات: