الأحد، 2 مايو 2010

الثوابت والمتغيرات في الزمن الرقمي.

يختلف الحديث عن موضوع الثوابت والمتغيرات الرقمية باختلاف المُرسِلين والمُستقبِلين وتقنيات الإرسال والاستقبال المستخدمة في كل وقت وحين.

وربما قد لا يستطيع الواحد منا تذكر عدد المرات التي غير فيها جلد حاسوبه الشخصي أو هاتفه النقال خلال السنوات القليلة الماضية جزئيا أو كليا لمواكبة سرعة التطور المتسارع في البرامج وفي أنظمة العرض والتشفير والاختزال والتخزين.

ويفرض كل تجديد في أنظمة التواصل الحديثة قطيعة مع الماضي الرقمي؛ فكل منتج تقني جديد يجُب ما قبله ويلغيه، بحيث لا يصبح القديم منها صالحا للاستعمال إلا بمواصفات بدائية لا يمكن أن تفي بالغرض المطلوب المتجدد على مدار الوقت والساعة شكلا ومضمونا.
فكل حياة رقمية جديدة ما هي في الحقيقة إلا إعلان عن موت افتراضي حتمي وشيك لأجهزة موجودة سلفا عند الناس قبل أن تصاب بالشلل أو بالسكتة الرقمية التي لا وجود بعدها ولا حياة.

لقد أصبح عمر الأجهزة التقنية التي تقع تحت تصرفنا أكثر قصرا من كل وقت رقمي افتراضي مضى؛ وتلك الأجهزة التي نقتنيها أول مرة بشغف المعجب المفتون سرعان ما تذبل في أيادينا قبل أن يمر عليها عام أو شهر أو ربما أقل من ذلك، خاصة وأن كل طفرة تقنية تستدعي منظومة جديدة متكاملة من الأجهزة والوسائل والبنيات التي لا يمكن الإعلان عنها أو عرضها للبيع والاستخدام الخاص أو العام إلا بعد اختبار درجة تفوقها على المنظومات القديمة التي يعمل الخبراء والباحثون والمهندسون على تجاوزها باستمرار بمسافات إضافية جديدة بغية إلغائها ومحو أثرها من السوق الرقمي نهائيا.

ومن هنا، فإن الأزمة التقنية لا تكمن في المنتج التقني الجديد القادم توا من المعامل بكل بريقه وبكل سحره، وإنما في القديم الذي أكل عليه الزمن الافتراضي وشرب। فيكون التخلص منه عبئا جديدا يقض مضاجع المواطنين العاديين فكريا ونفسيا وماديا كلما عاينوا منتجا رقميا جديدا على رفوف المتاجر الفاخرة، أو عبر الوصلات الإشهارية، فيسيل لها لعابهم وتصيبهم الحسرة لقلة ذات اليد. ويعلقون أملهم على الوقت الافتراضي الضائع، في انتظار الإعلان عن تخفيض الأثمان لحظة بوار أو كساد.

ومع الأسف فإن المستخدم العادي هو الذي يدفع في العادة ثمن الفرق بين كل منتج تقني جديد وآخر قديم، وهذا بغض النظر عن مقدار الثمن وكلفته المادية والنفسية.
ويستطيع الواحد منا أن يقرأ أثر التحولات الرقمية المتجددة على تصرفات الناس وسلوكياتهم العاطفية والنفسية والفكرية من خلال طرق تعاملهم مع الهواتف النقالة على سبيل المثال؛ لأنها الأكثر انتشارا بين الناس رغم اختلاف مقاصدهم منها، ولأنها الأكثر تنوعا واختلافا من حيث التقنيات ومن حيث الخيارات اللانهائية المتاحة..

وكثير من الناس عندما يشهرون هواتفهم النقالة أو يلوحون بها في الأماكن العامة ربما قد يختلط لديهم الشعور بالحاجة إلى التواصل عن بعد وبالرغبة في المباهاة وإظهار الوجاهة عن قرب لمن يرونهم في الشارع العام، وخاصة عندما يتعلق الأمر بحيازة أحدهم لأخر طراز ولأخر سلسلة من سلاسل الهواتف المطروحة في السوق.
وتلك السلاسل لن تكتمل حلقاتها الحلزونية المعقدة قبل أن تطوى صفحة وجودنا على هذا الكوكب الرقمي العجيب.

يذكرني وضعنا مع الأجهزة التقنية بقصة بعض العناكب البرية التي يأكل بعضها بعضا لحظة التزاوج لمنح حياة أخرى جديدة محتلفة في الحال والمآل؛ فما أشبه بيئتنا الرقمية ببيئة العناكب حينما تنسج شباكها في الفراغ، وحينما تراود، وحينما تصطاد، وحينما تفترس…
لاحظ معي كيف يقوم التسويق الإلكتروني اليوم على أسلوب الغواية العنكبوتي هذا؛ غواية الألوان الطرية وغواية النعومة وغواية السلاسة وغواية الانسيابية وغواية الرشاقة عندما تطوى تلك الأجهزة على بعضها البعض أو عندما تنحني، أو عندما تستدير.. أو عندما تلفها لك أنثى انتدبتها شركة ما للبيع في ورق مصقول لامع وناعم كالحرير .

ليست هناك تعليقات: