السبت، 12 مايو 2012

أنماط وظواهر من “الفيسبوك” و”التويتر” (2)

المقالة الثانية: الطيور على أشكالها تقع.

إذا كان فضاءا "الفيسبوك" و"التويتر" قد عرفا تلك الهجرة الهائلة التي تحدثنا عنها في الإدراج السابق فلقدرتهما العجيبة على الجمع والتأليف، وحيث يمكن للناس أن يتداعوا ويتنادوا من كل حدب وصوب في مشهد يشبه حركة أسراب الطيور المحلقة في السماء عندما يقع بعضها على بعض أرضا، وعندما تنضاف إليها عناصر أخرى جديدة في كل نوبة تحليق … ولذلك يتحدث الناس اليوم عن لقاءات وتجمعات افتراضية مليونية لا عهد للبشرية بها ولا تستطيع كبريات الساحات العمومية العالمية الحقيقية أن تطيقها أو تستوعبها.

وفي الوقت الذي تسعى فيه بعض الحكومات إلى تقليص حجم الساحات العمومية عمدا بوسائل النسف والتدمير والتغيير الممنهج لملامح تلك الساحات التاريخية الشاهدة على مختلف أشكال النضال والثورة المضادة، يزداد فرار الناس إلى المواقع والساحات الافتراضية التي تزداد اتساعا كلما امتلأت، ولا تضيق أبدا بما رحبت…

ومن الظواهر السلوكية الجديدة التي ترافق هذا المشهد الرقمي التواصلي الجماعي الجديد أن الناس ما عادوا يصحبون إلى المقاهي العمومية أصدقاءهم الحقيقيين فقط، ولا يتأبطون وهم في طريقهم إليها جريدة يومية أو صحيفة، كما كان العهد بالأمس القريب، وإنما يسيرون فرادى أو جماعات صحبة أجهزتهم الإلكترونية التي يحملونها في جيوبهم أو في محافظهم اليدوية، ومنهم من يتأبط تلك الأجهزة النحيفة مثل أي كتاب أو صحيفة مطوية.

وهذه العادة في ازدياد ملحوظ، وخاصة بعد أن اضطرت المقاهي إلى تقديم خدمة جديدة مسايرة لهذا التطور، وهي خدمة "الأنترنت" اللاسلكي (wi-fi) المجاني لاستقطاب هذه الشريحة الجديدة من الزبائن التي لا تستمرئ شرب قهوة صباحية أو مسائية إلا على إيقاع الدردشة والتحليق الافتراضيين صحبة أشخاص يوجدون في أماكن قصية عند أطراف حواسيبهم أو أجهزتهم الإلكترونية المحمولة أيضا…

ويتحدث الناس اليوم بحنين غامر عن صداقات قديمة أحييت، وعن علاقات منقطعة تجددت واتصلت، وعن أشياء وأسرار ما كان لها أن تعرف أو تكشف، في يوم من الأيام، حتى جاءت رياح "الفيسبوك" و"التويتر" فأماطت عنها غبار الإهمال والنسيان، وأخرجتها من دائرة الجهل إلى العلم، ومن الشك إلى اليقين…

وكما قد يسعد كثير من الناس بتلك العلاقات وبتلك الصداقات المتجددة عبر صفحات "الفيسبوك" و"التويتر"، فقد يسوء ذالك أطرافا أخرى ذات صلة ما أو منفعة فتصبح عرضة لموجات صاعقة من الشكوك أو الغيرة أو الحسد أو القلق الوجداني، وغير ذلك من العواطف والتيارات التي تجرف أصحابها في متاهات ما كانت في الحسبان، أو حتى لتخطر على البال.

ولذلك، فكما قد ينظر بعضنا إلى هذين الموقعين بعين الرضا لما قد يجلبانه من مرح وابتهاج، فقد تنظر إليه أطراف أخرى بعين السخط والاشمئزاز أيضا، وخاصة عندما يصبح هذان الموقعان طرفا حاسما في معادلة لا يمكن أن تقبل القسمة إلا على اثنين؛ كما هو حال الحبيبين أو الزوجين أو الإخوة أو ذوي القربى وكل صديق أو أليف قريب إلى العقل والقلب والروح…

وحينما يصبح مآل العلاقات بين الناس معلقا على العواطف التي تتلاعب بها التيارت والرياح، ولو كانت افتراضية هذه المرة، فلك أن تتخيل الأضرار والنتائج؛

فقد تتوجس الزوجة شرا عندما يفتح زوجها صفحته الخاصة على "الفيسبوك" أو"التويتر" مخافة أن تُنكأ جراح قديمة أو تنبعث من رفاتها أحلام كانت موءودة زمنا في قلب زوجها، وهذا وضع واحد يمكن تعميمه على كل الأطراف عندما يصطدم حاضرها بماضيها، أو عندما يواجه المخبوء لديها بالمكشوف عنها…

لاشك أن القصص والروايات الافتراضية الخاصة ب"الفيسبوك" و"التويتر" التي نتابعها اليوم في قصاصات الأخبار اليومية قد صارت حقيقة بل مأساة إنسانية عندما يصل ضررها وخرابها إلى العقول والقلوب والوجدان، وعندما يدخل الإنسان في دوامة مجهولة لم يكن ليدخلها من باب آخر غير باب بيت العنكبوت الرقمي الذي صار يحمل في جوفه نعمة ونقمة…

ليست هناك تعليقات: