الأربعاء، 19 مايو 2010

الإنترنت عند مواعيد الامتحانات

صار للبيئة التعليمية في بلادنا المغرب، كما في بقية بلدان العالم، وجهان: أحدهما واقعي يكون بوجود المقررات والمناهج المعتمدة من لدن الوزارات الوصية وبحضور المتعلمين والأساتذة كأشخاص ذاتيين حاضرين بلحمهم وشحمهم داخل الفصول والحجرات والأقسام النظامية.

أما الوجه الثاني فهو كل ما انعكس في البيئة الافتراضية مما له علاقة بأمور التعليم والتحصيل، سواء في شكل مواقع تربوية وتعليمية تابعة لمؤسسات التربية والتعليم العمومي أو الخاص، أو في شكل مواقع ومنتديات ومدونات خاصة بالتلاميذ والطلبة والأساتذة وكافة الأطر التربوية والإدارية.

وقد عرفت البيئة التعليمية الافتراضية في بلادنا، وخلال سنوات قليلة ماضية لا تتجاوز عند العد أصابع اليدين، امتلاء كبيرا يكاد يصيب المتصفح لها اليوم بالتخمة والغثيان. وكل ذلك راجع إلى ما يطبعها من حشو ونقل حرفي بمختلف عمليات القص واللصق الرقمية الممكنة.
وعلى العموم، فالمعروض الافتراضي من المواد التربوية والتعليمية كثير، ولكن المفيد منه قليل، وأغلبه معاد مكرور ويفتقد في الغالب، إلى حس الإبداع والتجديد؛ سواء تعلق الأمر بالدروس وتطبيقاتها، أو بالأسئلة وأجوبتها، أو بالتمارين وحلولها…

وليس في كلامنا هذا أي تقليل مقصود من قيمة الجهود المبذولة من لدن كل الأشخاص الذين يعملون ليل نهار على صب مواد التربية والتعليم على اختلاف أنواعها ومسمياتها وتخصصاتها في بحر الإنترنت. وكثير من هؤلاء لا يدخر أي جهد فني خاص بتصميم الصفحات والبوابات التربوية من حيث اعتماد آخر صيحات البرمجة الرقمية.
ولكن، ما جدوى كل بناء حقيقي أو افتراضي إذا أُسسا على مضمون ضحل يشبه الفراغ أو فوضى أو عشوائية، أو غياب رؤية واضحة استشرافية.

وخلال الأيام القليلة التي تسبق مواعيد الامتحانات السنوية أو الدورية يزداد إقبال المتعلمين في بلادنا على استهلاك المواد الافتراضية التي لها علاقة بالمنهاج أو المقرر المعتمد لكل فصل أو شعبة أو مسلك في أحد الفروع العلمية أو الأدبية أو التقنية.
وتسطيع بكل بساطة أن ترصد حركة الطلاب والتلاميذ المتزايدة زرافات ووحدانا في اتجاه مواقع التربية والتعليم على الإنترنت خلال تلك الأيام القليلة التي تسبق كل اختبار أو امتحان من خلال ملاحظة مؤشر عداد الزوار للمواقع والمدونات والمنتديات وكل الصفحات الإلكترونية التي تتنافس في تقديم مواد التربية والتعليم بسخاء حاتمي يفوق التصور والخيال؛ فمؤشر عداد زوارها قد يصل في الأيام القليلة التي تسبق كل امتحان مهم أقصى درجات ارتفاعه، بينما يكون في أوقات العطل الصيفية مثلا في أدنى دراجات انخفاضه.

ولعل أهم المواعيد التي تنتظر التلاميذ كل عام موعد امتحان الباكالوريا، أما أهم مواعيد التكوين المستمر لأطر التربية والتعليم فموعد اختبار الترقية وموعد الامتحان المهني، وحيث تعرف المواقع المختصة بمناهج التدريس ومواد الديداكتيك وعلم النفس والبيداغوجيا أقصى درجات الإقبال من لدن رجال التعليم الذين يطمحون إلى تغيير الإطار، أو يطمعون في ربح بعض الوقت عبر الترقي السريع قبل نفاد العمر بدل الانتظار الطويل في طابور الأقدمية.

ولا شك أن كثيرا من وقت ناشئتنا الفتية يمكن أن يضيع هدرا في كل فترة حاسمة من فترات الامتحانات الصعبة في غياب خطة استراتيجية ذاتية محكمة للمتعلم نفسه، أو انعدام توجيه مباشر من مشرفه التربوي، داخل البيئة التربوية أو من قبل ولي أمره داخل البيئة العائلية.

ومع الأسف الشديد، فإن معظم المتعلمين والمتمدرسين يجدون أنفسهم في فترات الامتحانات العصيبة وجها لوجه أمام غابة الأنترنت المتوحشة غير المحمية، من دون بوصلة، ومن غير أدنى توجيه؛ فتتقاذفهم التيارات والرياح في مسلك غير المسلك وفي اتجاه غير الاتجاه، ويسلمون زمام أمرهم إلى محركات البحث الرقمية العشوائية التي قد تصيب الهدف المنشود مرة، وتخطئه عشرات المرات.
ولنا أن نحسب الوقت الضائع من بين أيديهم ومن خلفهم بين نتيجة بحث واحدة صحيحة على الإنترنت مقابل عشرات النتائج الخاطئة، ثم ما بالك بما فوق ذلك كله مما يقتضيه كل مقرر أو منهاج من حيث خطط الفهم والاستدلال والاستنباط والاستنتاج.

صحيح أن الانترنت مفيد لكل متعلم ولكل راغب في التكوين المستمر لأنه يقدم مواد كثيرة للفهم والتحليل والمناقشة، ولكنه لا يستطيع أن يعلمنا في كل الأحوال، كيف نفهم وكيف نحلل وكيف نناقش أو نستنتج…
وقديما، كان قدماؤنا ينتقصون من قدر الرجال الذين يأخذون العلم من بطون الكتب ولا يأخذون العلم من أفواه الرجال فيقولون عنهم: إنهم صحفيون أي يكتفون بالأخذ من الصحف والأوراق؛ لأنهم كانوا يعتقدون بأن العلم الحقيقي هو ما وقر في الصدور.

فهل يعيد الزمن دورته مرة أخرى لنتهم نحن أيضا من يكتفي بالأخذ من محتوى الأنترنت لنقول عنه بأنه (أنترنيتي) ثم ياليته كان صحفيا، فربما هان الأمر وخفت حدة الضرر المنبعثة من وراء شاشة الحاسوب المتصل بخيوط عنكبوتية لا يعرف المتعلم الناشئ من نسجها ولأي هدف، ولا يملك اتجاهها أية إمكانية للمساءلة والنقد والمقاومة، فهو يستسلم لمحتوى الإنترنت استسلام الأعزل المغلوب على أمره.

وحتى لو كان في الأنترنت شر قليل أو كثير فقد أصبح أمرا واقعا لا مفر منه، وربما صار في السنوات القليلة المقبلة بديلا نهائيا عن كل ورقة أو صحيفة. فهل أعددنا العدة الكافية لتمحيص محتوى الأنترنت العربي وتدقيقه وتنظيمه، حتى لا يكون فوضى عارمة وشرا مستطيرا على أجيالنا القادمة، لا قدر الله؟ !!

الأحد، 2 مايو 2010

الثوابت والمتغيرات في الزمن الرقمي.

يختلف الحديث عن موضوع الثوابت والمتغيرات الرقمية باختلاف المُرسِلين والمُستقبِلين وتقنيات الإرسال والاستقبال المستخدمة في كل وقت وحين.

وربما قد لا يستطيع الواحد منا تذكر عدد المرات التي غير فيها جلد حاسوبه الشخصي أو هاتفه النقال خلال السنوات القليلة الماضية جزئيا أو كليا لمواكبة سرعة التطور المتسارع في البرامج وفي أنظمة العرض والتشفير والاختزال والتخزين.

ويفرض كل تجديد في أنظمة التواصل الحديثة قطيعة مع الماضي الرقمي؛ فكل منتج تقني جديد يجُب ما قبله ويلغيه، بحيث لا يصبح القديم منها صالحا للاستعمال إلا بمواصفات بدائية لا يمكن أن تفي بالغرض المطلوب المتجدد على مدار الوقت والساعة شكلا ومضمونا.
فكل حياة رقمية جديدة ما هي في الحقيقة إلا إعلان عن موت افتراضي حتمي وشيك لأجهزة موجودة سلفا عند الناس قبل أن تصاب بالشلل أو بالسكتة الرقمية التي لا وجود بعدها ولا حياة.

لقد أصبح عمر الأجهزة التقنية التي تقع تحت تصرفنا أكثر قصرا من كل وقت رقمي افتراضي مضى؛ وتلك الأجهزة التي نقتنيها أول مرة بشغف المعجب المفتون سرعان ما تذبل في أيادينا قبل أن يمر عليها عام أو شهر أو ربما أقل من ذلك، خاصة وأن كل طفرة تقنية تستدعي منظومة جديدة متكاملة من الأجهزة والوسائل والبنيات التي لا يمكن الإعلان عنها أو عرضها للبيع والاستخدام الخاص أو العام إلا بعد اختبار درجة تفوقها على المنظومات القديمة التي يعمل الخبراء والباحثون والمهندسون على تجاوزها باستمرار بمسافات إضافية جديدة بغية إلغائها ومحو أثرها من السوق الرقمي نهائيا.

ومن هنا، فإن الأزمة التقنية لا تكمن في المنتج التقني الجديد القادم توا من المعامل بكل بريقه وبكل سحره، وإنما في القديم الذي أكل عليه الزمن الافتراضي وشرب। فيكون التخلص منه عبئا جديدا يقض مضاجع المواطنين العاديين فكريا ونفسيا وماديا كلما عاينوا منتجا رقميا جديدا على رفوف المتاجر الفاخرة، أو عبر الوصلات الإشهارية، فيسيل لها لعابهم وتصيبهم الحسرة لقلة ذات اليد. ويعلقون أملهم على الوقت الافتراضي الضائع، في انتظار الإعلان عن تخفيض الأثمان لحظة بوار أو كساد.

ومع الأسف فإن المستخدم العادي هو الذي يدفع في العادة ثمن الفرق بين كل منتج تقني جديد وآخر قديم، وهذا بغض النظر عن مقدار الثمن وكلفته المادية والنفسية.
ويستطيع الواحد منا أن يقرأ أثر التحولات الرقمية المتجددة على تصرفات الناس وسلوكياتهم العاطفية والنفسية والفكرية من خلال طرق تعاملهم مع الهواتف النقالة على سبيل المثال؛ لأنها الأكثر انتشارا بين الناس رغم اختلاف مقاصدهم منها، ولأنها الأكثر تنوعا واختلافا من حيث التقنيات ومن حيث الخيارات اللانهائية المتاحة..

وكثير من الناس عندما يشهرون هواتفهم النقالة أو يلوحون بها في الأماكن العامة ربما قد يختلط لديهم الشعور بالحاجة إلى التواصل عن بعد وبالرغبة في المباهاة وإظهار الوجاهة عن قرب لمن يرونهم في الشارع العام، وخاصة عندما يتعلق الأمر بحيازة أحدهم لأخر طراز ولأخر سلسلة من سلاسل الهواتف المطروحة في السوق.
وتلك السلاسل لن تكتمل حلقاتها الحلزونية المعقدة قبل أن تطوى صفحة وجودنا على هذا الكوكب الرقمي العجيب.

يذكرني وضعنا مع الأجهزة التقنية بقصة بعض العناكب البرية التي يأكل بعضها بعضا لحظة التزاوج لمنح حياة أخرى جديدة محتلفة في الحال والمآل؛ فما أشبه بيئتنا الرقمية ببيئة العناكب حينما تنسج شباكها في الفراغ، وحينما تراود، وحينما تصطاد، وحينما تفترس…
لاحظ معي كيف يقوم التسويق الإلكتروني اليوم على أسلوب الغواية العنكبوتي هذا؛ غواية الألوان الطرية وغواية النعومة وغواية السلاسة وغواية الانسيابية وغواية الرشاقة عندما تطوى تلك الأجهزة على بعضها البعض أو عندما تنحني، أو عندما تستدير.. أو عندما تلفها لك أنثى انتدبتها شركة ما للبيع في ورق مصقول لامع وناعم كالحرير .