الجمعة، 2 يوليو 2010

وماذا بعد شبكة الإنترنت العادية …!؟

ربما كان هذا السؤال الوارد في العنوان أعلاه، سابقا لأوانه في هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا الإدراج لأن عهد البشرية بالإنترنت ما زال غضا طريا، ولم يخرج بعد من طور البحث والتجريب.

ومع ذلك بدأ كثير من الناس يصابون بنوبات ملل افتراضية قد تصل بالبعض إلى درجة الجفاء والقطيعة، وأصبح أقصى ما يطلبونه تصفح جديد بريدهم الإلكتروني بضعة دقائق لينفضوا سريعا عن حواسيبهم المتصلة زاهدين في بضاعة الإنترنت الأخرى المزجاة..

ويبدو الوضع حاليا بالنسبة لمن عايش تطور شبكة الإنترنت منذ نشأتها الأولى حتى اليوم، كما لو أنها استنفدت كل ما في جعبتها بعد أن أدت وظائفها الأساسية التي لا تكاد تخرج عن تأمين اتصال سريع بالحرف والصوت والصورة أو استعراض محتوى معين للفائدة أو المتعة أو التسلية أو حتى لمجرد الفضول، أو تخزين محتوى معلوم إلى أجل غير معلوم، فضلا عن هامش كبير متاح على مدار الساعة للقراصنة وقطاع الطرق والمتسكعين والمتسولين على عتبات بريدنا الإلكتروني وفي كل أماكن التعارف الاجتماعي العالمي.

وإذا ما حللنا الوظائف الأساسية للإنترنت: أقصد وظائف الإرسال والاستقبال ووظائف التسليم والاستلام فإنها لا تخرج عن طبيعة وظائف البريد العادي التي ما زالت قائمة بمنشآتها وبشبابيكها وبسعاة البريد الذين يجوبون الأرض جيئة وذهابا على دراجاتهم البخارية أو الهوائية أو حتى على الأقدام، يحملون الرسائل والطرود إلى أصحابها ويسلمونها لهم يدا بيد وبعد دق جرس الباب وإلقاء التحية، أو وظيفة عون البنك الذي يسلم الأموال أو يستلم الصكوك بعد فحص التوقيعات والتأكد من هوية الزبناء، أو وظيفة ناشر أو صاحب مطبعة أو كشك مركون في زاوية ينقل محتوى معين من مؤلف إلى قارئ، أو حتى متسول يسأل الناس إلحافا عند بوابة مسجد أو مدخل سوق أو محطة للمسافرين…
فماذا يمكن أن يقدم الانترنت أكثر غير تأمين الاتصال السريع وتقديم كثير من الخدمات الضرورية أو الكمالية دون مغادرة الناس لبيوتهم صوب محل تجاري أو بنك أو مكتبة أو بريد أو مصلحة حكومية…، أو بالأحرى ما ذا ينقص شبكة الإنترنت حتى لا يصاب كثير من مستخدميها بالقنوط والملل؟.

صحيح أن الإنترنت دنيا أخرى متوارية خلف شاشة الحاسوب، وهي تشبه دنيانا الحقيقية بل تكاد تكون لها نسخة ثانية مجانية كبضاعة كاسدة، غير أنها بدون لون ولا نكهة ولا روائح ولا توابل، ولا حس ولا نبض غير نبض الموجات الكهرومغناطيسية المتدفقة عبر الأسلاك وعبر أثير السماء، عندما نشغل جهاز الحاسوب، ونربط الاتصال بالشبكة.
فواقع الإنترنت حاليا واقع جامد رغم كل ما يعج به من أشلاء الصور المقززة التي تشمئز منها النفوس، أو الصور الكاملة المفضوحة إلى درجة العري والعهر والابتذال.

ويسعى المهندسون اليوم في الجامعات والمعاهد المتخصصة في نظم المعلومات والحاسبات وشبكة الاتصال العالمي لإخراج شبكة الإنترنت من حالة الجمود هاته عن طريق ضخ بعض الدماء الحيوية الجديدة في شرايينها، لتصبح أكثر جدة وشبابا؛ فمصيبة الإنترنت أنها تشيخ بسرعة، لذلك عليها أن تغير جلدها في كل دورة ألف مرة، كما تفعل الحيات خلال مراحل عمرها عندما تتخلص من جلدها القديم الذي يضيق عنها فتنزعه نزعا، لتكسب جلدا طريا انسيابيا ثم تعود فتطرحه في العراء في فترة تحول تالية.

وقد كثر الحديث في هذه الأيام عن دورة حياة جديدة للإنترنت، وهي دورة مثيرة حقا إذا ما تجسدت (نسبة إلى الجسد) وتأنسنت(نسبة إلى الإنسان)، وقد تكون خطوة فريدة من نوعها إذا ما قدر للانترنت أن تهجم علينا، كما يفعل العدو المتربص أوتحضننا، كما كل أم رؤوم، أو تغمرنا كما يغمرنا الليل، أو تفضحنا كما يفضحنا ضوء النهار، وخاصة مع ظهور الجيل الثالث من الإنترنت، حيث بدأت بعض المواقع تدخل مرحلة جديدة قادرة على انتشال الشخص من واقعه الحقيقي لتقذف به في عوالم غريبة ثلاثية الأبعاد أشبه ما تكون بالعوالم الأخرى العجائبية، أقصد عوالم ما وراء الحقيقة وما وراء الطبيعة.

ترى، كيف سيكون واقع حالنا عندما ستغمرنا الانترنت قريبا بمحتوى رقمي جديد لا نراه أو نسمعه أو نقرأه فقط وإنما نشمه ونتذوقه ونلمسه؟. وعندها ستبدأ مرحلة أخرى من الكتابة والتدوين الجديد لا أعرف بالضبط كيف ستكون. ولكنها على كل حال ستتجاوز معطيات التراسل القديم بالنصوص والصور والرموز والأيقونات بمسافات بعيدة إلى التراسل بمعطيات حواسنا الخمسة دفعة واحدة. وعندها سيصبح في إمكاننا أن نتحسس افتراضيا حرارة من نصافحهم عن بعد، أو حتى أن نصفعهم باليد على الخد أو القفا عن بعد أيضا بدل أن نهجوهم بالكلام أو نسخر منهم بالرسم والصورة والكاريكاتير.

وعندما ستحقق هذه الأحلام أو الأوهام يمكن عندها أن نقول عن شبكة الإنترنت إنها قد دخلت دورة النقمص من أوسع أبوابه لتماثل دور الإنسان في أقواله وحركاته وفي أفعاله وفي انفعالاته أيضا. لكنها ستكون من طينة غير طينته، وربما قد تتفوق عليه فتستخدمه بدل أن يستخدمها وتطلبه إلى الحرب والسلم واليقظة والنوم بدل أن يطلبها إلى ذلك.
وما أتمناه في نهاية هذا الإدراج أن لا أكون قد تجاوزت حدود الكلام المعقول إلى ما يشبه حلم اليقظة أو الهذيان.

هناك تعليقان (2):

Unknown يقول...

In reality your creative writing abilities has inspired me to begin my own Blog Engine website now.



Study In UK

Unknown يقول...

تحياتي و تقيري لقويم التوجّه
و شكري لافادة حصلت لي هنا !

منجي باكير

http://zaman-jamil.blogspot.com/