الأربعاء، 18 يناير 2012

خيار العودة إلى الوضع الأول

"دوام الحال من المحال". هذا ما تعارف عليه الناس ودلت عليه التجارب منذ أن وعت البشرية حقيقة وجودها على هذا الكوكب العجيب.

ومع ذلك يبقى هناك، في نفس كل إنسان، حنين دائم إلى استعادة وضع ما أو مجموعة أوضاع سابقة مريحة ومحببة كان فيها هذا الإنسان منسجما مع ذاته ومع نفسه ومع محيطه قبل كل تغير طارئ، ولو تم ذلك الاسترجاع من طريق الحلم والخيال أو الفن أو الكتابة والتدوين…

ونستطيع هنا أن نضرب أمثلة عديدة من الحالات والأوضاع الفردية والجماعية قبل أن تدور عليها دوائر الأيام وتتعرض إلى الاختلال أو الفساد؛ من قبيل المرض بعد الصحة، والعجز بعد القدرة، والشدة بعد الرخاء والفشل بعد النجاح، والاختلاف بعد الاتفاق، والحرب بعد السلام وهلم جرا وعدا.

وحتى الطبيعة من حولنا وما عليها من مخلوقات وكائنات وجمادات لا تسلم من دواعي الدهر، بفعل اختلال بسيط في الهواء أو التربة أو الضغط أو الحرارة أو الرطوبة…

وإذا ما انتقلنا إلى عوالمنا الافتراضية بكل ما تعج به من أجهزة وبرامج وتطبيقات ووسائط وأدوات تحكم واستشعار…، فإنها لا تكاد تستثنى من هذه القاعدة أيضا، لكونها من صنع إنسان خلق أصلا من ضعف. ولذلك فهو محكوم على الدوام بضرورة مواصلة التعلم والتدريب وتكرار التجارب لعله يتغلب على ضعفه وعلى جهله وعلى نقصه وحتى على موجة الغباء التي قد تعتريه في بعض الأحيان.

فأي فرق إذن بيننا نحن ـ معشر الآدميين ـ وبين هذا الكم الهائل من المنتجات الافتراضية الآلية التي تشبهنا كثيرا في ملامحنا وفي تصرفاتنا وفي صفاتنا، والتي تقوم فيها الأسلاك والدوائر الكهرومغناطيسية الموصلة وشبه الموصلة مقام شبكة الشرايين الدموية الحيوية التي تتخلل أجسامنا ؟.

وفي الوقت الذي يحتاج فيه الآدميون إلى عمليات جراحية بالغة الكلفة بالاستئصال أو الزرع أو التعويض أو بالعقاقير لاستعادة جزء يسير من أوضاع صحية طبيعية زودهم بها الخالق لحظة خروجهم من الأرحام، لا تحتاج كثير من الأجهزة الإلكترونية التي نستخدمها في حياتنا اليومية إلا إلى ضغطة زر واحدة لاستعادة وضعها الافتراضي العادي عند خروجها الأول من أرحام المصانع أيضا.

وخيار العودة إلى الوضع الافتراضي الأول التي تزود به كثير من الأجهزة الإلكترونية التي نستخدمها في حياتنا اليومية، وأبسطها الهاتف النقال على سبيل المثال، حل سحري عجيب للتغلب على كثير من المشكلات التقنية والوظيفية لتلك الأجهزة، عند سوء الاستعمال من لدن المستخدم الذي ليست له خبرة أو معرفة كافية بأمور التشغيل والبرمجة والعرض والتحكم، وهي كذلك أيضا حتى بالنسبة لخبراء التقنية عند وقوع خطأ تقني عارض، أو عند تداخل البرامج والتطبيقات أو عدم تلاؤمها مع نوعية الأجهزة أو السلسلة أو الإصدار.

هذا موضوع شائك يختلط فيه ما هو إنساني بما هو آلي، وما هو نفسي حار بما هو آلي بارد، وتمتزج فيه المنافع والمضار دفعة واحدة.

ترى، هل يأتي على الإنسان حين من الدهر يصبح فيه جسم الإنسان وعقله مزودين بخيار العودة إلى أي وضع مثالي يختاره عن قصد وترصد من تجارب ذاتية سابقة أو آنية أو متوقعة؟

لنا عودة مفصلة إلى هذا الموضوع في تشعباته المختلفة، ولو بعد ابتعاد طويل غير مقصود عن هذه المدونة، فمعذرة إلى جميغ قراء وزوار (كلمات عابرة).